لا تشي الحلقات الأولى من برنامج خواطر شباب "9" بجديد؛ توبيخ الذات وتأنيب الأنا الجماعية في مرآة الآخر "المتطور"، هو نفسه يتكرر من عام إلى آخر. وذرة الحل، كما يرى ويقول مقدم برنامج خواطر، في إحدى نزهاته القارية: "خلونا نسوي زيهم"!. البرنامج الذي يقدم كوجبة خفيفة على مائدة إفطار المشاهدين، بدا باهتاً أكثر من أي عام، وهو يجتر ذات المشكلات المزمنة في المجتمعات العربية بطريقة "الشو" التلفازية؛ مقدماً حلولاً، يصر من خلالها "بطل" مسلسل خواطر، على جر شعوب المشاهدين العرب ليس لمشاهدة عروضه السحرية وهو يتنقل بين المدن والعواصم وحسب؛ وإنما يجبرهم لأخذ دروس محو الأمية "الأتيكيتية"، على يد أطفال اليابان (حلقة 2)؛ ليرى ويتعلم العرب النظام وكيف يقف الناس في طابور طويل دون أن يأخذ أحدٌ مكان الآخر, في حالة من الانبهار المتضخمة بدول العالم الأول، من جهة، وإحساس عميق بالدونية والعجز والتمني أمام ما توصل له الآخرون؛ رغم محاولات صاحب البرنامج ( أحمد الشقيري )، تقديم حلول فردية "استعراضية"، تتبخر كل عام مع انتهاء موسم البرنامج. لا أحد يشكك في النوايا التي يحاول صاحب البرنامج بثها للمشاهدين، إلا أن هذا الخطاب يبقى استهلاكياً وقشرياً، يقترح تحديث المجتمعات العربية وابتلاع منتجات الحضارة العصرية، كحل سريع، دون تقبل ونقاش الفكر الذي أنتجته الحضارة الإنسانية والمدنية الحديثة، كما في التجربة الأوروبية؛ فضلاً عن انتقائية "الشقيري" لما يعرضه من مظاهر الحياة الغربية المتمدنة من عادات وسلوك وخدمات؛ وكأنه يرفع باستحياء، يافطة "الغرب هو الحل" دون أن يسمي؛ ولكن مع حذف كل ما يتعارض مع مسلمات المجتمع المحافظ. لقد اكتفى بالمقارنة بين الطرقات المرصوفة بعناية في طوكيو، مع شوارعنا المليئة بالمطبات، ولم يعقد مقارنة في الجانب الاجتماعي على مستوى القيم والأخلاق والأفكار. كان له -مثلاً- أن يقارن بين حال المرأة هنا وهناك!؛ قيادتها للسيارة وقوانين الأحوال الشخصية وغيرها من القضايا المهمة. أحمد الشقيري لقد مر برنامج "خواطر" في مواسمه السابقة، بتجارب مجموعة دول حققت طفرات ثقافية واقتصادية واجتماعية، من تركيا إلى شرق آسيا وبالتأكيد أوروبا؛ كان هذا المرور، في نتيجته, بمثابة دعاية حضارية (قد تسيس) لهذه الدول لا أكثر، فالحال في الأقطار العربية لم يتغير، إلا أن السؤال لو ترجمت حلقات هذه التجارب، إلى لغات ومشاهدي تلك الدول كيف ستكون الصورة، غير "الكاركاتورية" لشعوب عربية، تستجدي التطور من المجتمعات الناهضة، عبر طريقة القص/اللصق، "الخواطرية". وهنا، لا بد أن نذكر بأن ما يشيعه البرنامج من خطاب "الصدمة" والدهشة من حضارة الآخر، ليس جديداً في الأدبيات الثقافية العربية، وأن ما يقدمه "الشقيري" بمثابة تنويع على ذات الصدمة و"الدهشة" التي دفعت رفاعة الطهطاوي لوضع كتاب بعنوان "تخليص الإبريز في تلخيص باريز" بعد ذهابه عام 1826، إلى فرنسا وانبهار "الشيخ الأزهري" بالثقافة والحضارة الغربية.. وكذلك الحال مع عدد من الأدباء العرب كشكيب أرسلان في كتابه الصغير والهام (لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم)؛ وهو ما يعيد إنتاجه الشقيري بعد 180 عاماً، على رحلة الطهطاوي ولكن بإضافة فقزات "جمبازية" بين المشرق والمغرب!. صحيحٌ أن الإنسان يحتاج أحياناً إلى التعرف على تجارب الأمم الأخرى أو كما يقال "لا يمكن معرفة الذات إلا من خلال الآخر". إلا أن تكرار المقارنة مع ثبات الحال وجموده يسبب إحباطاً يقطع الأمل. إلى جانب أن التعرف والمقارنة لا تتطلب استيراد السلوك بهذا الشكل الوعظي المبالغ فيه. لذا نختم بوشوشة في أذن صاحب البرنامج، لنقول: "الحضارة لا تستورد يا أحمد.. وإنما تحاكُ بصبر وإبداع، كسجادة عريقة ولا تنهض إلا بوقدة عقل ناقد، ينظر بعمق إلى معرقلات تطور مجتمعه قبل أن يسارع إلى ركوب قطار الأمم المسرعة في التقدم".