يحاول العديد من الأطفال تقليد آبائهم في شهر رمضان المبارك، فنجدهم يُصرّون على الصوم رُغم صغر سنهم؛ لدرجة أنَّ بعضهم قد يصل به الحال إلى الامتناع عن الأكل والشرب في حال رفض الأبوين السماح له بالصوم، الأمر الذي قد يجعل الأبوين يرضخون لرغبة الطفل ويسمحون له بالصوم. ويُعدُّ تعويد الأطفال على الصيام أحد الأمور الإيجابيَّة التي يتسابق على فعلها العديد من الآباء، ويختلف الأسلوب الذي يستخدمه الآباء في هذه الحالة، إلاَّ أنَّ أسلوب تحفيز الأطفال لتشجيعهم على الصوم يُعدُّ أكثر الأساليب التي يستخدمها العديد من الآباء في هذا الجانب، وفي المُقابل فإنَّ من الآباء من لا يُعير هذا الجانب أدنى اهتمام؛ بحُجَّة أنَّ الطفل لا يزال صغيراً أو لم يصل بعد إلى سن التكليف التي تجعله مُطالباً شرعاً بصيام أيَّام هذا الشهر. سن التكليف في البداية بيَّنت "لمياء السعيد" أنَّ العديد من الآباء يُهمِّشون أطفالهم في شهر رمضان، وقد لا يُعيرونهم أدنى اهتمام؛ وذلك لانشغالهم بأنفسهم أثناء الصوم دون أن يعملوا على تشجيعهم على الصيام، مُوضحةً أنَّه من المُفترض تعويدهم على الصوم منذ سن مُبكِّرة؛ إذ إن ذلك سيجعلهم يتعوَّدون على الصبر ويكتسبون الثقة بأنفسهم، لافتةً إلى أنَّ العديد من الآباء لا يُلزمون أطفالهم بذلك؛ بحُجَّة أنَّهم لا يزالون صغاراً ولم يبلغوا بعد سن التكليف. وأوضحت "الجوهرة سعد" أنَّ مكافأة الأطفال على الصوم أمر مهم، مُضيفةً أنَّ على الوالدين بدايةً تقديم بعض الهدايا البسيطة لأطفالهم عندما يصومون جزءاً بسيطاً من اليوم، مع وعدٍ بتقديم هدايا أكبر قيمةً عندما يصومون فترةً أطول، وذلك إلى أن يأتي الوقت الذي يكون فيه الطفل قادراً على صوم اليوم كاملاً. وأيَّدتها في ذلك "خلود القحطاني"، إذ أشارت إلى أنَّ بعض الأطفال قد يوهمون آباءهم أنَّهم صائمون؛ وذلك ليكسبوا رضاهم وتقديرهم، مُضيفةً أنَّ على الآباء عدم تكذيب أطفالهم في حال تأكُّدهم من عدم صيامهم، مُوضحةً أنَّ عليهم في هذه الحالة تشجيعهم والتعامل معهم بحكمة، مُشيرةً أنَّ عليهم تقديم بعض الحوافز لهم ومراقبتهم بشكل غير مُباشر، وجعلهم يصومون فترات بسيطة من اليوم. وقالت "أم رهف": "يجب على الآباء عدم توبيخ الطفل عند إقدامه على شرب الماء أثناء صومه، بل لابُدَّ من تجاهل ذلك؛ لأنَّه لم يصل إلى سن التكليف بعد"، مُضيفةً أنَّها تتعامل مع تصرُّف ابنها الصغير بالطريقة ذاتها يوميَّاً أثناء شهر رمضان، مُوضحةً أنَّ هذا الأسلوب أدَّى إلى تشجيعه على الصوم، حتى أنَّه استطاع حاليَّاً إتمام صيام اليوم بأكمله، وذلك بعد مرور خمسة أيَّام من شهر رمضان الحالي، مُشيرةً إلى أنَّها بدأت في مُكافأته بهدايا بسيطة، ووعدته بهديَّة ثمينة في نهاية الشهر. قراءة القرآن من أكثر ما يجذب الأطفال في رمضان أسلوب التحفيز وذكرت "ابتسام الموسى" أنَّ أبناءها -ولله الحمد- بدأوا في الصوم منذ أن كانوا في سن السابعة، مُضيفةً أنَّهم كانوا في البداية لا يُتمُّون صيام اليوم بأكمله، ومع ذلك فإنَّها كانت تُشجعهم وتُقدِّم الهدايا لهم بالتنسيق مع والدهم، إلى أن تمكَّنوا من إتمام صوم اليوم بأكمله في نهاية الأمر، مُشيرةً إلى أنَّ أسلوب التحفيز نجح في جعلهم يتسابقون على صيام النوافل، ومن ذلك صيام الست من شهر شوال ويوم عاشوراء ويوم عرفة. ولفتت "أم عبدالرحمن" إلى أنَّ أسلوب تقديم الهدايا وإطلاق عبارات الإشادة والثناء، أدَّى إلى جعل أطفالها يتنافسون فيما بينهم على صوم أطول فترةٍ مُمكنة من اليوم أثناء شهر رمضان الماضي، مُضيفةً أنَّهم كانوا يُراقبون بعضهم بعضاً لمعرفة من سينجح منهم في الفوز بالجائزة التي رصدها والدهم لأكثرهم قُدرةً على ذلك، مُشيرةً إلى أنَّهم تمكنوا جميعاً إتمام صيام اليوم كاملاً في نهاية شهر رمضان الماضي، لافتةً إلى أنَّه ورغم صغر سنهم إلاَّ أنَّ لكلِّ واحد منهم شخصيته المُستقلَّة الذي ميَّزته عن الباقين، خاصةً فيما يتعلَّق بقُدرة كُلِّ واحدٍ منهم على الصبر وتحمُّل مشاق الصيام. وعلى عكس سابقاتها أكَّدت "أسماء المطيري" أنَّها ترفض بشدَّة تعويد أطفالها على الصوم مُقابل حصولهم على هدايا عينيَّة أو على عبارات الإشادة والثناء، مُضيفةً أنَّ ذلك يعود ليقينها أنَّهم لم يبلغوا بعد سن التكليف التي تجعلهم مُطالبين بتحمُّل أعباء الصوم، مُعتبرةً أنَّ ذلك سيجلب لهم المشقَّة والتعب، كم أنَّ فيه ظلمٌا كبيرا لهم، مُشيرةً على أنَّ استخدام أسلوب التحفيز مع الأطفال قد يجعلهم يتحمَّلون مشقَّة الصوم في سبيل الحصول على الهديَّة، الأمر الذي قد ينتج عنه إصابتهم بالتعب والمرض والإجهاد. عبدالرحمن الشمري تشكيل القناعات ودعا "عبدالرحمن بن ساير الشمري" -مستشار في الشؤون الاجتماعية- الآباء إلى تشجيع أطفالهم على الصيام عبر رفع وعيهم بذلك، والحديث معهم بشكل مُبسَّط لبيان أنَّ عُمق فكرة الصوم ليست الحرمان من الطعام، وإنَّما هي ببساطة فكرة تقوم على التقوى والتوقف بشكل مؤقت عن الأكل، مُضيفاً أنَّه إذا وصل الآباء إلى هذا المستوى الواعي في الطرح فإنَّه يُمكن للأطفال أن يصوموا بكل سهولة، مُوضحاً أنَّ هناك إشكاليَّة قد تحدث عند حث الأطفال على الصوم خارج إطار هذا الأسلوب، مُشيراً إلى أنَّ ما يحدث لدى الطفل على مستوى التفكير الواعي هو الرغبة في الصيام، بينما يكون لديه على مستوى التفكير اللاواعي ومن خلال برمجتنا له عكس ذلك تماماً، إذ إنَّه يستشعر حينها أنَّ الصوم هو حرمان؛ ولذلك فإنَّه من المستحيل صيام من هم في هذا المستوى، حتى لو كان الصوم عبارة عن ساعتين، لافتاً إلى أنَّه عادةً ما تكون الاستجابة للفكرة التي تكون في الباطن. وأضاف أنَّ هناك حاجة ماسَّة لأن يعمل العديد من الآباء على مُراجعة طريقة تنشئتهم لأطفالهم في هذه المسألة، مُشيراً إلى أنَّ البعض يتحدَّث مع الطفل عن الصيام من مُنطلق أنَّه شيءٌ جميلٌ ورائع، وفي الوقت نفسه يُشعرونه أنَّ فيه مشقَّة كبيرة، وذلك بقولهم له: "الله يعينك النهار طويل وحار"، لافتاً إلى أنَّ المعلومة ستصل الطفل في هذه الحالة بشكلٍ عميق، وبالتالي تتشكَّل لديه قناعةً سلبيَّة كُلَّما أراد أن يصوم، مُوضحاً أنَّ غالبية من يصلون إلى مرحلة البلوغ ولم يصوموا بعد هم من تشكلت لديهم مثل هذه القناعات، داعياً الآباء إلى الحذر فيما يتعلَّق بمسألة تشكيل القناعات لدى الأطفال، مُبيِّناً أنَّ عامل المشقَّة لم يعد موجوداً في الغالب عند صوم الأطفال في الزمن الحالي، إذ إنَّ معظم الأطفال يستيقظون ما بين الساعة الثانية والثالثة عصراً، حيث لم يتبق إلاَّ أقل من أربع ساعات على أذان المغرب، ثمَّ يجلس الطفل أمام جهازه الشخصي مُتنقِّلاً بين ألعابه حتى وقت الأذان. وأشار إلى أنَّ من أهم الفوائد الناتجة عن صيام الأطفال، تنشئتهم على إدراك أنَّ للصوم ثلاثة أبعاد تتعلَّق بالروح والعقل والجسد، وأنَّ لكُلِّ بعد من هذه الأبعاد رياضات تناسبه، وأنَّ الصوم هو أعظم رياضات الروح، إلى جانب ما للصوم من فوائد مُهمَّة في تقوية إرادة الأطفال، وكذلك تفاعلهم مع الأوامر الربَّانية، إضافةً إلى تربيتهم على تقوى الله في السِّر والعلن، مُضيفاً أنَّ اهتمام الآباء بتشجيع أبنائهم وتدريبهم على الصوم منذ الصغر، من شأنه أن يعود عليهم بالنفع روحاً وعقلاً وجسداً، مؤكِّداً على أنَّ على الآباء عدم إجبار أبنائهم على الصوم ما داموا صغاراً لم يبلغوا سن التكليف، مُشيراً إلى أنَّه في حال استطاع ذلك دون مشقَّةٍ أو ضرر عليه فإنَّه يؤمر به، لافتاً إلى أنَّ الصحابة -رضوان الله عليهم- كانوا يجعلون الصغار يصومون حتى إذا بكى أحدهم فإنَّهم يُعطونه اللعبة لينشغل بها، مُبيِّناً أنَّ جمهور العلماء قالوا بأنَّ الصبيَّ المُميِّز تصحُّ عباداته ويُثاب عليها.