حساسية تعدد الزوجات والاقدام عليه أو تفاديه مجال للمداعبة بين الأصدقاء لا تتجاوز تداعياتها المجلس الذي طرحت فيه، إلا أن بعضهم تأخذه العزة فيعتبر ذلك تحدياً لرجولته، فيمضي إلى التعدد دون تفكير فيما يترتب على ذلك من ردود فعل وآثار قد لا تكون في صالح الطرفين. ولو طرحت هذه المداعبة بحضور الزوجة فإنها تظهر ركادتها المزيفة وتبدي أخذها الأمر مأخذ المزاح في تحد اعتزازي بملكاتها وتفردها بين النساء بتميز نادر مرددة: ليتزوج، «ما يعرف خيري حتى يجرب غيري» ونحوها من عبارات الاعتزاز بالنفس، في حين أنها تكتم غضبها وتتكتم على ردة الفعل لديها، حتى إذا ما خلت إلى زوجها انتقدت ذلك المزاح الثقيل وعدم رد زوجها باستهجان التعدد أو شكر الله أن وهبه زوجة كاملة الأوصاف، وأن ليس لديه مبرر للتعدد، ويجيبها: «يا بنت الحلال تعرفين خالك مزّاح ويحب تحريك المجلس». وكما هو معروف أن التعدد أكثر ما تكره المرأة وتخشى، ذلك أن حب النساء لا يقبل المشاركة، وهن أخلص حبا ما لم يعكر صفو حبهن طارئ ارتياب بنزوع من أحببن إلى أخرى. ولهذا الموضوع تداعيات لسنا بصدد التوسع فيها، ليس خشية ردود فعل تعكر المزاج وترفض الرأي الحق في الموضوع ولكن امتثالاً للقول المأثور عنهن: «يا زينك ساكت». نعود إلى المداعبة باعتبارها دليلاً على عمق المحبة وصدق المودة، وتؤخذ وفق سياقها المألوف في المجتمع مثلما حدث بين الصديقين الشاعرين هندي بن بكر بن تنيبيك الروقي وصديقه الشاعر سعيد بن عواد الذيابي عندما التقيا وشكا هندي - مازحا - أن زوجه تغيرت معاملتها له وأنه يرغب في الزواج من أخرى معبرا عن ذلك بأبيات منها: يا سْعيد قلبي لا قطٍ غِشْ ومْخيف من صاحبٍ شفته تغيَّرْ بنيه الصوت منها غادياً له غطاريف وعيونها مثل المشاهيب فيّه بنت الرجال اللي تعرف المعاريف وشجعان في الاسلام والجاهلية ربعٍ على نَطْحْ المعادي مزاهيف إن صاح صياحٍ وجات القصيّه جتِنْ عطا ما سقت فيها تكاليف شيمة رجالٍ جاتنا مصفطيّة ميزاتها يا سْعيد تقليطة الضيف لو كنت غايب كِنْ خلفي سرية يا الله طلبتك يا وسيع المحاريف تعوّضَنْ في سابقي بحضرية أبيات تعد من الشعر الساخر الذي يعرفه الشعر العربي، فالشاعر يختلق قضية محتملة الوقوع، ولكنه يأبى ضميره أن يزوّر مشاعره الصادقة نحو من يشكو، وفي واقع الأمر إنما يشكو حالة دفعت أم عياله إلى هذه المعاملة كما يدعي. والناس عندنا تضيق صدورهم عندما تضيق خطاهم. وتبدو السخرية الأدبية من احتفاظه بذكر سجاياها الطيبة وطيب محتدها من يقدرون الرجال فاختاروه صهراً براً بفضائله، وكانت زوجة صالحة ترعى القيم الأصيلة في المجتمع البدوي، وبخاصة الاحتفاء بالضيوف هذه القيمة التي لم تتبدل منذ القدم حتى اليوم، والتي عرف البدوي قيمتها من معاناته في الصحراء ذات المتاهات التي قد تعرض عابريها إلى الموت في غياب نجدة الكرم، والبدوي يهتم بهذه القيمة حاضراً وغائباً فيمتدح الزوجة التي تجسد هذه القيمة الإنسانية. أما البيت الأخير فهو استفزازي ليؤكد لصديقه شكواه. حتى رجال العِرْف فيهم تصانيف شايب وشانت نيّته في خويّه ويجيبه الصديق مخلصاً متنبهاً إلى فحوى شكواه: لا باس يا عيد الركاب المناكيف يا اللي شكيت ظروفك العايليه إنته تشَكْوَى من حسين التواصيف وشكيتك ما جات عن حسن نية تَبَيْ تسوِّي لك اعذار وعجاريف شفت الربيع وجت علوم خفيّة حتى رجال العِرْف فيهم تصانيwف شايب وشانت نيته في خويّه امتدح الشاعر صديقه وأثنى على زوجه التي شبهها بالربيع لسجاياها الطيبة التي جعلته يطمع في مزيد من النساء، ويستغرب منه هذا التصرف من اختلاق المبررات والحجج (العجاريف)، ويمتدحه مستنكراً تصرفاً يصدر من أهل المعرفة أمثاله، ومستنكراً أيضاً الغدر بالرفيق (الزوجة) بالتفكير في تعكير صفوها بزوجة أخرى، والربيع في قوله ربما هو إشارة إلى رؤية جددت طموحه إلى التجديد. ولما كان هذا رداً على استشارة وشكوى فلزاما على الآخر أن يقدم حلا لشكوى صديقه: ما ينكر الماضي قلوبٍ مواليف في اللين والاّ في الليالي القسيّه وان كان عازم روح سيلان والسِّيف تلقى العوض في الحرة الوحوحية عنق العنود اللي ترب المشاريف ما جات من يم الصعيد مْحَدِيَّة بنت الرجال اللي يبشون للضيف ونطاحةٍ في الكون شيخ الغزية إما بعدها صرت قنعان ومعيف والاّ وقعت بعلة باطنية نعم، عشرة وألفة تستمر سنيناً كيف لها أن تنقلب إلى نكران وجحود وقد تحمل كل منهما طعمها في اللين والشدة ولم يتنكر أو يجزع، وإذا كنت أيها الصديق مصراً على التجديد فاذهب إلى الخارج واجلب من تحب لتجد العوض في الزوجة الحرة التي اقترنت بها مختاراً وعشتما عصر الشباب منشغلاً كل منكما بالآخر ترعيان نتاج هذه العشرة، وكنت تصف جمال جيدها بعنق الريم الحرة الواثقة التي نشأت في عز وكرامة سيكون العوض عنها مستقدمة عن غير رضاها ومن مجتمع غير مجتمعك ذي القيم المختلفة هدفها البحث عن حياة أفضل، وطمع في مردود أو مصلحة. ويعود ليمتدح التي ترب المشاريف ابنة الصحراء العربية التي يهب رجالها للفضائل من تكريم للضيوف ودفاع عن الكرامة وشجاعة وأقدام. واعلم يا صديقي أنك بعد هذه التجربة ستقتنع بما لديك وتعاف من تطمح نفسك إليها أو إنك ستقع في ورطة يصعب تجاوزها، وهي الأقرب: أيها المنكح الثريا سهيلا عمرك الله كيف يلتقيان هي شامية إذا ما استقلت وسهيل اذا استقل يماني بقي أن نعرف أن الكون في الابيات هي الحرب، أما الوحوحية فلا أدري إلا أني فهمتها مدحة للحرة ذات الحركة والحيوية في القيام بالواجب بما تلقي من إيحاءات وتوجيهات وتكريس للعطاء دون توان. ولمزيد من الفائدة يرجع إلى «ديوان الخالدي ومنوعات من نوادر شعراء الجزيرة العربية ج1» شعر شعبي، ففيه من المختارات والمحاورات والقصص ما يجلب المتعة إلى النفس، ومؤلفه الشاعر سعيد بن عواد الذيابي، ولعل الجزء الثاني من الكتاب في طريقه إلى الصدور.