حين وضع مرسيل خليفة مجموعته الغنائية-الموسيقية "كونشرتو الأندلس" (2002)، وهي تحتوي على عمل موسيقي من قالب السويت Suite أو بحسب الترجمة العربية "المتتالية"، وهي مكونة (12 قطعة موسيقية) تنوعت بين اعتمادها على ألحان أغان شعبية (البنت الشلبية، يا بنات اسكندرية، قدك المياس) ورقصات (فلامنجو، فالس زنجران، فالس طرزنوين) وتقاسيم حجاز كار وتآليف حرة بعضها تخصص بعزف منفرد للعود، وألحق بهذه المجموعة أغنيات وقصائد بصوته وأميمة الخليل لمحمود درويش والحلاج ومحمد السويدي. الملفت هنا هو تسمية المجموعة (مؤلف موسيقي مكون من ثلاثة أجزاء مخصص لآلة منفردة) بينما يحتوي العبكونشرتومل على قالب موسيقي مغاير هو المتتالية (مجموعة قطع موسيقية راقصة)، وأضيف إلى ذلك محاولة أولى لمرسيل خليفة في تلحين نص خليجي من قالب المويلي للشاعر الإماراتي محمد السويدي "يا ساري". تكشف هذه "الثقافوية المرتبكة"، ولو ادعينا التبرير المجازي للتسمية، عن أزمة استلاب لأمرين الأول التعبير بوسائل الآخرين رغم أن قالب الأغنية تمثل في غياب قالب "الموشح" بوصفه النتاج الأندلسي الأبرز، والثاني سحب مفعول خرافة الأندلس الموازية لتعبير "الفردوس المفقود". ونذكر أنه قامت محاولات كثيرة في وضع سمفونيات وكونشرتوات وغيرها أنجزها مؤلفون موسيقيون عرب في مطالع القرن العشرين من أمثال أبو بكر خيرت ورفعت جرانة وجمال عبدالرحيم وشعبان أبو السعد وتوفيق الباشا ووليد غلمية بما فيها محاولات ترجمة نصوص الأوبرات الإيطالية والفرنسية إلى العربية بينما الاعتماد على الأداء والحركة من بلد المنشأ أداها كل من أميرة كامل وحسن كامي ورتيبة الحفني وعواطف الشرقاوي وعفاف راضي.. إلا أنها ذهبت أدراج الرياح. تكشف حالة مرسيل خليفة عن أزمة كبرى تتجاوز فقدان المثال وحصر الطموح واستيراد الوسائل والتعبير بمنطق الآخر. إنها تتصل بأزمة كبيرة حيال مفهومنا التاريخي للحضارة العربية. وهو يعيدنا بشكل آخر للنقطة الصفر التي وضع فيها اسكندر شلفون (1881-1934) لتقريره الشهير "الموسيقى المصرية: تقرير عن حالتها 1922" المرفوع إلى وزارة المعارف، وذكر فيه أسباب انحلال أو عيوب الموسيقى المصرية الجهل أو غياب التعليم الأكاديمي، والجمود والتشابه أو يقصد نمطية البنية، وقلة الأنواع الموسيقية. ولا يعرف ما هو موقف وزارة المعارف حينها.