أشهرت «ديترويت» عاصمة صناعة السيارات الاميركية وأكبر مدن ولاية ميشجان إفلاسها في سابقة جديدة تنبئ باستكمال حلقات التحول في المجتمع الصناعي ومؤشر على غيابنا في استثمار الموارد البشرية العربية والفرص الاستثمارية هناك. فهذه المدينة التي قضيت فيها بعض سنوات التحصيل العلمي قبل ما يقارب الثلاثين عاما كانت مدينة الفن والرياضة والتعايش العرقي بالاضافة الى صناعة السيارات. فقد كانت تضم اكبر جالية عربية في الولاياتالمتحدة الى درجة انك تلمس التقسيم العرقي الفرعي للعرب في مناطق عدة. العراقيون في منطقة الميل السابع، واللبنانيون في جزء من ديربورن وتجد اليمنيين في جزء آخر، ويتمركز المصريون في طرف ثالث. وهكذا تتوزع بقية الجالية العربية. وبعد سنوات تكاثرت الجالية العربية وتوسعت وتناثرت في شيكاغو ولوس انجلوس ونيويورك وسان فرانسيسكو وسان دييجو وغيرها من المدن الاميركية. وتزامن اعلان افلاس هذه المدينة العريقة مع وفاة هيلين توماس - ابنة طرابلس اللبنانية- والرمز الإعلامي العربي - الأميركي، فهي عميدة الصحافيين المعتمدين لدى البيت الابيض والتي واجهت بجرأة نادرة عشرة رؤساء اميركيين. ماتت هيلين عن عمر يناهز الثانية والتسعين من العمر في مؤشر مماثل لبدء موت المدن الصناعية التي لم تتحول لاقتصاد المعرفة والمجتمع المعلوماتي. وبالعودة الى ديترويت نجد ان الموت بالافلاس لم يأت فجأة وانما بتراكم الديون منذ ستين عاما. فكم من المحاولات التي تمت لانقاذ صناعة السيارات الاميركية، فقصة الاداري الشهير لي آيا كوكا وحصوله على قرض حكومي أنقذ شركة كرايسلر في ثمانينيات القرن الماضي، وحاول اليابانيون الدخول في انقاذ الصناعة ونجحوا في ادخال سياراتهم ولكن تحت مسمى صنعت في امريكا، اي أنها صناعة أمنت الوظائف ولكن لم تنعش صناعة السيارات الاميركية. أذكر أن اكبر جامعة في المدينة وهي جامعة وين الحكومية قد بدأت تشعر بهروب الاعمال من قلب المدينة، وبالتالي لا بد ان تقوم بواجب خدمة المجتمع فاستقطبت احد ابناء الجالية العربية لادارة الجامعة وهو ديفيد أدماني. فكانت رؤيته لكي تتطور الجامعة لابد ان يتطور المجتمع من حولها. فقام بتحويل المناطق المحيطة بالجامعة الى مناطق جذب بالتعاون مع بلدية المدينة فقضوا على الكثير من جيوب الفقر والجريمة. والجامعة تحمل اسم بطل من ابطال الاستقلال هو»الغاضب»انتوني وين والذي تحمل اكثر من سبع مدن واكثر من عشر كليات وجامعات وحتى محافظات ومطارات اسمه. ولكن وين هذا يختلف عن بطل افلام الكاوبوي جون وين الذي يحمل اسمه مطار اورنج كاوني في جنوب كاليفورنيا. نعود الى افلاس ديترويت الذي يقول عنه حاكم الولاية ريك سنايدر»إنه الخيار الوحيد لمعالجة مشكلة تفاقم الديون والذي سيسمح للمدينة ان تستعيد الاستقرار وان تصبح قابلة للاستمرار من جديد. والتحدي الأكبر كما يشير اليه المحامي المتخصص في قضايا الافلاس دوغلاس بيرنشتين «أن التاريخ لم يعرف كثيرا من البلديات التي اعلنت افلاسها وبالتالي لا يوجد خبرة واسعة في هذا المجال». فيما يبدو لي ان في تاريخنا العربي نموذج «العرب البائدة» كاستحقاق قديم لم يتم دراسته بعيدا عن الرصد التاريخي. احد الظرفاء من مصر يقول «العرب البائدة هما اللي بنقول عليهم فص ملح وداب».. وأتمنى ان لا تكون ديترويت «فص ملح وذاب» بالنسبة لعرب امريكا او للمستثمرين العرب. فهي منطقة واعدة ورابطة بين الولاياتالمتحدة وكندا. فهل هناك تفكير من ابناء عرب الحاضرة وافكار استثمارية في المدن البائدة او التي في الطريق نحو الافلاس؟ والاهم من هذا ما هو الدرس المستفاد من افلاس ديترويت بالنسبة لمدننا؟ ومن هم الدائنون؟ الاخبار تشير الى صناديق التقاعد التي تصارع لاستعادة اموالها. دعوة الاستثمار للتجار وليس للمتاجرين بصناديق تقاعدنا.