كان واضحاً أن مناقشة مجلس الوزراء لظاهرة ارتفاع أسعار السلع والخدمات بالمملكة كانت أكثر شفافية بسبب الحقائق التي تضمنتها التقارير المرفوعة بارتفاع الأسعار بالمملكة مقارنة بالدول المجاورة على الرغم من تعدد أوجه الدعم والإعانات المقدمة من الدولة، ومع انه تطور جديد في إيصال معلومة صحيحة للمقام السامي الكريم كان مسؤولونا ينفون صحتها لسنوات ويؤكدون بأن الأسعار بالمملكة هي الأرخص، إلا انه من المأمول أن تكون القرارات أكثر صرامة وفاعلية. الرقابة على أسعار السلع والخدمات يجب أن تكون احترافية ولا تقتصر على ارتفاع أسعار سلع محدودة غذائية أو مواد بناء في محلات وبقالات، وإنما يجب أن تكون الرقابة على المصدر الأساسي وهو المورد أو المنتج ولجميع السلع والخدمات كأسعار ومواصفات بما في ذلك فوائد بنوكنا المركبة ورسوم التأمين المتزايدة والشقق المفروشة.. إلخ لكون الرقابة على المصدر يكشف المستوى الحقيقي للتكلفة وهامش الربح ويمكن الجهات الرقابية وبأقل الإمكانات من ضبط الأسعار وإعلانها وإنهاء الاحتكار الممارس فعلياً بأسواقنا وبعقوبات رادعة وكنظام دائم وليس بحملات مؤقتة! فمقولة أن سوقنا حر انكشف زيفها وأثبتت الأحداث تكتل التجار والاتفاق على رفع السعر وتخفيض العبوات في يوم محدد وتحت أنظار مجلس حماية المنافسة، كما أن الدعم الذي تتحمله الدولة يستأثر به التاجر ولا يصل للمستهلك، فمثلا كيلو الأرز البسمتي والبنجابي في أوروبا ب(1) يورو أي (10) كيلو ب(50) ريالاً، بينما يباع في أسواقنا ب(70) ريالاً أي بزيادة (40%) ويزيد الاستغراب أكثر عندما نقارن أسعار العسل الألماني الشهير هناك بأسواقنا!. وفي الوقت الذي كنا نطالب فيه برفع مستوى الدخل ليتناسب مع تكلفة المعيشة ومستوى الدخل بالدول الخليجية كان يبرر لنا بأن الأسعار في تلك الدول أعلى من المملكة، والحقيقة أننا عندما نستبعد تكلفة السكن في المناطق التجارية ونقارن فعلياً أسعار السلع الأساسية والخدمات نجدها متقاربة وبعضها اقل من أسواقنا، والاهم أنها أعلى مواصفات من السلع التي يستوردها تجارنا! فالأساس في مراقبة الأسعار ومحاربة الاحتكار لا يعتمد فقط سعر السلعة ومقارنتها مع الدول الأخرى، وإنما للمواصفات والعمر الافتراضي والجودة دور أساسي في التسعير العادل، ويعلم الجميع مايقوم به بعض وكلاء السيارات لدينا من تركيب إكسسوارات وأجهزة بخلاف مواصفات السيارات الخليجية الأصلية ذات السعر الأقل مما حقق لهم أرباحاً غير مرئية! وحاليا تجارنا يستوردون المنتجات من الصين بأقل المواصفات وحتى مع تصريح الملحق التجاري الصيني بأن تجارنا هم من يطلبون المواصفات الرديئة لم تتحرك جهاتنا! أي مع كل الحقائق التي نراها مازالت جهاتنا في حاجة لقرارات صارمة تستند على دعم قوي لإيقاف تلك الممارسات وليست عبارات تحذيرية للتخدير. خلال السنوات الأخيرة برز التلاعب العلني من مستوردي وبائعي المواد الغذائية والملابس والأجهزة والأدوات المكتبية وأصبح يمارس بشكل مؤسسي من شركات تفاخر بنمو أرباحها والجميع يعلم أنها بسبب زيادة هامش الربح في السلع المباعة، ويؤكد ذلك أن نسبة الزيادة في الأرباح أعلى من نسبة الزيادة في المبيعات، والغريب أن لدينا شركات تشتكي من ارتفاع تكلفة الإنتاج وتطالب برفع الأسعار وتنجح في تمرير ذلك ولا تتم محاسبتها على استغفالها للمستهلك برفع السعر وتخفيض الكمية لجميع المنتجات وإعلانها بنمو أرباحها كل ربع مالي وعبر رفع تدريجي غير ملفت للأسعار! والمؤكد أنه إذا لم نتخلص من فكر الرقابة الشكلية الحالي ستستمر أسعار السلع والخدمات بالارتفاع حتى وإن عدلنا أوزان معادلة التضخم وجملنا نسبها، ويبقى أن لا ننسى أن لدينا عددا كبيرا من الوافدين مما يستلزم سرعة تطبيق البطاقات التموينية لدورها في تخفيض تكلفة المعيشة وترشيد الاستهلاك ووصول الدعم للمستهلك!