يبدو أن النجاحات الكبيرة التي حققتها البرامج الشبابية في (اليوتيوب) قد أغرت الجميع باقتحام هذا العالم الجديد والمثير، ففي العام الفائت نشر موقع العربية نت نقلاً عن مجلة (فوربس- الشرق الأوسط) قائمة البرامج اليوتيوبية الأكثر شعبية والتي جاء على رأسها عدد من برامج الشباب في السعودية، إلى جانب عدد من برامج الشباب تجاوز عدد مشاهدات الواحد منها عشرات الملايين من المشاهدات، وكذلك أشار الموقع إلى أن اليوتيوب يُشاهده أكثر من أربع مليارات مُشاهد متفوقاً بذلك على عدد من وسائل الإعلام. هذه الأرقام الضخمة كافية لجذب الجميع وزيادة حرصهم على التواجد في فضاء اليوتيوب المفتوح، والشعراء من بين الذين جذبهم اليوتيوب ليس لنشر قصائدهم وحواراتهم فحسب، بل لتقديم برامج شعرية تنتقد بعض المظاهر الاجتماعية وتحاول مُعالجة بعض القضايا المتداولة داخل ساحة الشعر الشعبي وخارجها، فقد أطلق الشاعر محمد عويضة أولاً برنامج (هم سات) ثم أنتج الشاعر غازي مشعل برنامج (يقول) الذي يظهر بأنه أكثر نشاطاً وحماساً من الأول لانتظام مواعيد خروج حلقاته وتنوع محتواها واتساع رؤيتها مُقارنة ببرنامج (هم سات). إقامة موازنة بين البرنامجين: (هم سات) و(يقول) تُبيّن حجم اهتمام القائمين عليهما بإيصال رسائل مُعينة بلغة الشعر وهي اللغة التي يُفترض بأن تكون الأقدر على الوصول والتأثير في المتلقي، وتؤكد على أن الفكرة التي ينطلقان منها فكرةٌ جيدة وجديدة في اليوتيوب، لكن مُشاهدة حلقتي (هم سات) والحلقات الثلاث التي خرجت من برنامج (يقول) توضح مدى التفاوت في مستوى البرنامجين. من ناحية المحتوى أو الموضوعات يفتقر الأول في حلقتيه للتنوع في الموضوعات المطروحة والتي انحصرت في إطار الهم الاجتماعي، في حين نجد تنوعاً يُمكن وصفه بالجيد في البرنامج الثاني الذي تناول موضوعات عديدة ذات علاقة بالهم السياسي والاجتماعي والإنساني. وإذا ما انتقلنا إلى مستوى اللغة التي استخدمها الشاعران في برنامجيهما فسنجد أيضاً أن هناك تفاوتاً واضحاً بين لغة البرنامجين، ففي برنامج (هم سات) يبدأ الشاعر محمد عويضة وينتهي بلغة قريبة من اللغة الشعرية تعتمد إيقاعاً واحداً أعتقد أنه أسهم إسهاماً كبيراً في رتابة لغة حلقات (هم سات) ونزع الحيوية منها رغم قِصر مُدتها، وفي المُقابل استطاع الشاعر غازي مشعل إلى جانب التنويع في موضوعات حلقاته تنويع اللغة التي يتحدث بها إلى حد كبير، فبعد الحديث عن الموضوع وطرح رأيه فيه بلغة نثرية يقوم بمُعالجة الموضوع بأبيات على الشكل المألوف أو "العمودي"، ويُحسب له أيضاً اجتهاده في استخدام لغة ساخرة في بعض القضايا التي تناولها في حلقات برنامج (يقول) على عكس برنامج (هم سات) الذي تغيب عنه لغة السخرية بشكل تام في مُقابل طغيان اللغة السوداوية ولغة جلد الذات التي ربما فرضتها طبيعة الموضوع الذي تناوله الشاعر. انتقل للجانب الإخراجي وهو جانب مُهم جداً في برامج اليوتيوب ومن الضروري أن يكون مُواكباً ومُعززاً لمضمون العمل المعروض لكي يجذب المُشاهد ويجبره على مواصلة المتابعة. في (هم سات) لم يكن هناك استثمار لعنصر الصورة أو المقاطع المرئية أو المؤثرات الصوتية بشكل جيد، باستثناء ثلاثة مقاطع مرئية في الحلقة الثانية لا يوجد أي عُنصر من العناصر المُشار إليها أو غيرها مما يُمكن اعتباره لمسات إخراجية تُضيف للعمل، أما في برنامج (يقول) فنجد وعياً جيداً بأهمية توظيف مثل هذه العناصر واستثماراً رائعاً للصورة وللمقاطع المرئية وللمؤثرات الصوتية وللحركة والتفاعل الجيد مع الكاميرا، إلى جانب المُحاولة الجيدة للشاعر غازي مشعل لتقمص دور الفنان/المُمثل في إحدى حلقات البرنامج، كل هذه العناصر مع ما ذكرته سالفاً أسهمت في خروج برنامج (يقول) في صورة جميلة ومقبولة. وبعد الموازنة بين برنامجي (هم سات) و(يقول) بهدف إيضاح نقاط التميز والضعف في برامج الشعراء اليوتيوبية أعتقد أن هذه البرامج تحتاج -إضافة لما أشرت إليه سابقاً- لتركيز أكبر على الإعداد والإخراج، لتكون لغتها أكثر جاذبية وبُعداً عن الإنشائية، وتكون مُعالجتها للمواضيع أكثر عُمقاً وإقناعاً للمُشاهد، ولا أنسى التنبيه إلى أهمية رفع حس السخرية في هذه البرامج والالتفات أكثر لنقد ومُعالجة القضايا المتعلقة بالشعراء وبساحة الشعر الشعبي. بقي أن أقول بأن نقدي لبرنامج (هم سات) للشاعر محمد عويضة لا يُعبر عن استياء مُطلق كما أن إشادتي ببرنامج (يقول) للشاعر غازي مشعل لا تُعبر عن إعجاب تام، لأن مرحلة البدايات لكل عمل لا بُد أن يعترها بعض القصور أو الخلل الذي يُمكن تداركه، ولم أكتب عن هذين البرنامجين إلا لإعجابي بهما كخطوة رائدة ورائعة يُقدمها الشعراء خارج الإطار التقليدي الذي اعتدنا على مُشاهدة الشاعر داخله، وليقيني التام بأن القادم من حلقات هذين البرنامجين سيكون أكثر دقة وتميزاً، ولعل الشعراء الشباب الآخرين يتشجعون لخوض غمار هذه التجربة الجديدة وتقديم أعمال يوتيوبية مُميزة وقادرة على المُنافسة وتحقيق أرقام مُشاهدات عالية.