شهدت حياتنا الاجتماعية حداثة مطردة، خاصة في العادات والتقاليد، وعلى الرغم من ذلك، إلاّ أنّ بعض الأسر لا زالت تتمسك بموروثات شعبية تناقلتها جيلاً بعد آخر لإحياء ما كان عليه الأجداد، ولأنّ شهر الصيام يحيي ما كان من عادات شعبية متوارثة؛ تحرص بعض العوائل على عادة تسبق شهر الصوم بيوم، حيث تلتقي بعض الأسر في منزل واحد، جالبين معهم الأطعمة المشكلة، ليجتمعوا عليها، ويتبادلوا الأحاديث الممتعة عن ذكريات رمضان العام الماضي، ويسمي البعض هذا اللقاء ب"قريش رمضان"، وله أهمية عالية؛ لكونه جزءاً من العادات الرمضانية. وتحرص الأسر سنوياً على إحياء "قريش رمضان" في اليوم الأخير من شهر شعبان، ويعتبرونه اليوم الأخير لوداع الأكل نهاراً، فيما يراه البعض استعداداً نفسياً لاستقبال رمضان، ويتمحور إحياء هذا اليوم عند البعض حول توديع الوجبات الغذائية الصباحية، خصوصاً وجبة الغداء، التي تعتبر أهم الوجبات الأساسية لدى سكان المملكة. يوم مميز واعتبر "فهد السعد" أنّ آخر أيام شهر شعبان يوم مميز؛ مرجعاً ذلك إلى اجتماع الأسر والأقارب، حيث يتم الاجتماع في الاستراحات والمنازل، لتناول الوجبة المخصصة لهذا اليوم، وتبادل الأحاديث والذكريات، وإحياء ما قطعته المدنية من توصل بين الأحبة. وبيّنت "العنود الفريدي" أنّهم في مثل هذه الأيام عادة ما يحضرون لمناسبة "يوم القريش"، الذي يعدون له وجباتهم الشعبية المفضلة، مثل: "الجريش" و"المرقوق" و"المطازيز" و"الكبيبة" و"الفريكة" و"القشدة" و"الكبسة"، مشيرة إلى أنّ ما يميز هذا اليوم هو الإقبال الشديد على بعض المأكولات والمشروبات الشعبية، التي تعدها الأمهات، إلى جانب بعض الوجبات الحديثة التي يفضلها الشباب والفتيات. ترابط أسري وأوضحت "مها الشمري" أنّ "يوم القريش" بالنسبة لبعض العوائل يعتبر فرصة كبيرة للتخلص من المشاحنات والخلافات، إذ تجتمع الأسرة على سفرة واحدة تحتفل بإعدادها وتجهيزها، ويلتقون متبادلين التبريكات والتهاني بليلة الصيام، مضيفةً: "أنا متزوجة منذ سنوات، وكنا نسكن أنا وزوجي مع أهله، وفي هذا اليوم نجتمع على مائدة واحدة نلتقي فيها كباراً وصغاراً، وكان يجمعنا لهذا اليوم كبير العائلة والد زوجي، الذي لا يفتأ عن الحديث عن أيام زمان، وكيف كانت روابط المجتمع الشعبي آنذاك قوية، عكس ما نعيشه هذه الأيام، ويسرد لنا القصص والحكايات، ونحن نستمتع بالحديث على مائدة القريش". وجبات خاصة وقالت "منيرة الأحمدي": "ليس هناك أجمل من الاجتماع في يوم القريش الذي تعد له ربات البيوت وجبات خاصة، تجمع بين الماضي والحاضر لتكون في متناول الصغير والكبير، وعادةً ما يكون الإعداد لهذه التجمعات متعباً ومرهقاً للسيدات اللواتي يقضين ساعات طويلة في المطبخ لإعداد الوجبات، إلاّ أنّها في النهاية تكون ممتعة وشيقة، إذ تتسم العادة بالروحانية والتكافل الأسري، والترابط الذي تفتقده الأسرة خلال أيام العام، ويأتي شهر الخير والبركة ليلم العائلة في آخر أيام شعبان". عادات وتقاليد وأضاف "ربيع المسلم": "جرياً على العادة السنوية من كل عام تودع الأسرة شهر شعبان مستقبلة شهر رمضان بيوم القريش، الذي تنظمه عادة السيدات، سواء لجمعة أهل الحارة أو العائلة، وهذه العادة متوارثة من الأجداد يحييها الأبناء، وعادة ما يكون يوم القريش في وجبة الغداء وبعض الأسر تعد له بعد صلاة العشاء، وله نكهة خاصة، لما له من عادات وتقاليد لا زالت بعض الأسر تتقيد بها، فتجد البعض يميزون يومهم للقريش، حتى باللباس الشعبي لإحياء عادات الآباء والأمهات قديماً، إذ يبتهج كبار السن بهذه الأساليب التي اعتقدوا أنّها اندثرت، وغالباً في مثل هذه الأيام تجتمع الأسر في الاستراحات العائلية". وسيلة للتباهي ورأت "أم منصور" أنّ البعض قد يأخذ بهذه العادة كوسيلة للفخر والتباهي، متناسين كونها تتسم بالبساطة، والمقصود منها التبريك بهذا الشهر الفضيل، مضيفةً: "نرى الكثير ممن اعتادوا يوم القريش ينظمونه في الفنادق والقاعات الفخمة لإعداد بوفيهات مفتوحة جمعت أصناف المأكولات، متناسين أنّ ذلك من البذخ والتبذير، خاصة وأنّ هذا اليوم يتميز بشعبيته وبساطته"، مستغربةً من نشر البعض لدعوات خاصة فيها تكلّف زائد لا قيمة له، وتعب مضن أفقد هذا اليوم رونقه، معتبرةً أنّ "يوم القريش" موروث اجتماعي يتفق الجميع على احيائه مهما كان الاختلاف على الطريقة التي تم بها ذلك. فرحة عائلية بإستقبال الشهر الفضيل »أرشيف الرياض» البساطة أصل في إحياء «قريش رمضان»