بعد التقاعد.. جلست أمام التلفزيون استمتع بمشاهدة برنامج عن الشعر والشعراء في إحدى القنوات الفضائية التي تقدم جوائز مالية.. مليونية.. من أجل تشجيع المواهب الشعرية.. الخيال سرح بي بعيداً.. تذكرت الشاعر الجاهلي النابغة الجعدي الذي نبغ في الشعر بعد تجاوزه الأربعين من عمره وصار شاعر ملك العرب المناذرة في الحيرة يا ترى هل يمكن أن أنبغ أنا في الشعر.. وأصبح شاعراً مشهوراً يشار إليه بالبنان، وهل أملك الإمكانيات والاستعداد والقدرات الثقافية والأدبية اللازمة.. لتحقيق هذا الحلم. ولم لا؟.. أنا أحفظ الكثير من الشعر ولدي قدرة عجيبة على ترديده، كنت ألقي بعض الأبيات من الشعر على مسرح المدرسة والجامعة، كان أدائي يلقى استحساناً من الجمهور.. أليس هذا كافياً لأن يكون بداية جيدة، قلت لنفسي بأنني يمكن أن أحقق إنجازاً في هذا المجال.. قد لا يصل إلى مستوى انجاز الشاعر العربي القديم، أقصى طموحي حالياً هو الحصول على جائزة من هذه الجوائز الثمينة، وبعدها لكل حادث حديث.. حالياً، أنا متقاعد لدي متسع من الوقت.. هذا التطلع يتناسب مع إمكانياتي الحالية، مجموعة من الكتب عن الشعر والشعراء، وهذا متوفر في المكتبة العامة.. بدأت بالقراءة في الشعر الجاهلي والإسلامي والحديث قرأت لعنترة وزهير بن أبي سلمى والفرزدق وجرير والأخطل وأبي تمام والمتنبي وشوقي وحافظ والرصافي والسياب ونزار والقصيبي تضخم الوهم كثيراً فبدأت أكتب الشعر، تكوّن لدي كم كبير من القصائد، عرضت ما كتبته، على أكثر من صديق.. أجمعوا أن هذا شعر رائع، وأنني سأفوز حتماً بالجائزة، لكنني لم استعجل رأيت من الحكمة أن أستشير ذوي الاختصاص، كان من أقاربي مدرس قضى عمره في تدريس اللغة العربية والأدب العربي في المدارس الثانوية، اخترت مجموعة من قصائدي قلت في نفسي، عندما يقرأ هذه القصائد سيتفاجأ بهذا الشعر، ولن يصدق أنني كاتبه لهذا أحضرت معي المسودات. كان الرجل مهذباً في بداية الأمر، أخذ يقرأ إنتاجي الشعري، كان أثناء قراءته يبتسم أحياناً، ويقطب أحياناً أخرى، هذا دليل مؤكد على انبهاره، فالشعر الجيد ينقل القارئ من حالة لأخرى مختلفة، وجدتها فرصة لأبدأ الحديث معه.. * النابغة الجعدي نبغ في الشعر بعد الأربعين.. * هذا صحيح.. لكنك تجاوزت الأربعين بكثير. * ألا تدل هذه القصائد على بوادر؟ * هذه الظاهرة فعلاً تدل على بوادر.. * بوادر نبوغ أليس كذلك؟ * للأسف.. إنها ليست بوادر نبوغ.. إنها بوادر هذارة.