سمعت الكثير عن دبي، سمعت الكثير بنبرة الذهول والإعجاب من كل زوارها الذين أعرفهم، يتحدثون عن المعمار، عن الجمال، عن التطور، وعن الترفية. لم أقاوم وصفهم وانبهارهم، طرت إليها متشوقة لأرى هذه القطعة الخليجية التي كانت "عادية" وتحولت إلى "غير عادية". بكل صراحة تفاجأت بأن دبي لم ترق لي ولم افتتن بها بشكل خاص كبلد "للسياحة" دون النظر للمعيشة أو الاستثمار، صحيح أنها متطوره ومريحة وتسابق الزمن ولكنها اسمنتيه، ليست كتركيا وإسبانيا وفرنسا ترتفع بهم يد التاريخ لتشابك أصابعها يد المستقبل لتحمل الحاضر بزهو. كانت الزيارة منذ عشرة أيام تقريباً لم أشاهد خلالها سوى عدد قليل من الإماراتيين وأعداد هائلة من الأجانب، كنت أشعر أنني في منطقة التجمع التي يلجأ إليها الجميع في حال نشوب حريق عالمي. لكن لا يمكنني أن اتجاهل دبي أو حتى أن أصفها بغير الصالحة للمعيشة. دبي ذكية، أدركت أن السبيل الوحيد لتصبح متطورة هو أن تستقطب "المتطورين" من أنحاء العالم ويبقوا فيها، يهندسونها، يديرونها، يستثمرونها.. ينعشوها! ونجحت بلا أدنى شك.. وجود الأجانب يخلق وجود خصالهم الحميدة من احترام الإنسان واحترام القانون، يخلق وجود مزدهر للتعليم والعلماء، وجود للمسؤولية، وجود للفرص الجديدة، وجود للاتقان والجودة، وجود للفنون الجميلة، وجود للغات للمعارف للجسور التي تصلنا بالعالم الأول، وجود للتفاصيل الصغيرة.. إنهم يتقنون فن إدارة الحياة بينما نحن في بعض عالمنا العربي فاشلون فشلًا ذريعاً بها..!. سأروي تجربتين الأولى تجربة اليابان عرفت بِ (بعثة ايواكورا) كانت مابين 1871 - 1873م. وكانت إلى الولاياتالمتحدة وأوروبا طاف يابانيون يرغبون بالتغيير والإصلاح العديد من البلاد الأجنبية، سألوا وبحثوا وناقشوا التطور والتقدم، شاهدوا المؤسسات الحديثة وانعكاسها على الإنسان وحياته، فبدأت الحكومة اليابانية بجلب العديد من الخبراء والمهندسين بلغ عددهم 3000 من مختلف البلدان للمساعدة في تطوير البلاد وتحسينها على مختلف الأصعدة المهمة كالتعليم والحقوق والعلوم والنظام السياسي، كما لم تكتف اليابان بذلك فقط بل أرسلت طلبة لاستكمال دراستهم في أمريكا وأوروبا. التجربة الثانية تجربة اندونيسيا في بداية الستينات الميلادية والتي استعانت بتجربة عدد من مواطنيها الذين سبق لهم دراسة علم الاقتصاد في جامعة بيركلي في الولاياتالمتحدةالامريكية. يقول الأستاذ صفوق الشمري: (استفاد هؤلاء من خبرة جامعة بيركلي العريقة وتشربوا أسس الاقتصاد العلمية وبعدها عادوا إلى بلادهم الأصلية اندونيسا) التي كانت تعيش أزمة اقتصادية كارثية. استعان الرئيس الاندونيسي سوهارتو بهذه المجموعة أعطاهم الفرصة والصلاحية والإمكانية لتعديل الوضع القائم آنذاك، وبالفعل قامت هذه المجموعة بما لم يقوم به أحد آخر من الاندونيسين زعماء وقادة ومسؤولين، قام بها طلاب استفادوا من الخبرات الأمريكية وعادو بالنفع لبلادهم، حيث يذكر الأستاذ صفوق الشمري في مقاله النسب التالية:( انخفضت معدلات التضخم من 650% في عام 1966م إلى 13% في عام 1969خلال 3 سنوات فقط، قاموا برفع الدخل القومي للفرد 545% خلال 10 سنوات، بلغ النمو الاقتصادي 6.5% سنوياً وبدأت الاستثمارات الخارجية تتدفق بشكل مهول وعاشت اندونيسا طفرة). لكن لم تستمر الأوضاع الاندونيسية بهذا الجمال وذلك بسبب معاول هدم أعداء النجاح والحساد والفاسدين داخل البلاد.. شكراً خادم الحرمين على فرص الابتعاث وعلى دوراته المتتالية، شكراً للمبتعثين الجادين، شكراً لكل من يدعم التطوير، شكراً لمحبي الحياة والوطن.!.