تلقيت عبر إحدى شبكات التواصل الاجتماعي رسالة تحذيرية، تحذر من أشخاص من الممكن أن يتصلوا بنا بهدف الدعوة والتبشير لمذهب ينتشر في الجنوب الشرقي من الجزيرة العربية (حددوا اسمه)، حيث يتربص أصحابه بالضحايا ليتسللوا إلى الرؤوس عبر الجوال ومن ثم يفعلون أعاجيبهم بالمعتقدات. وقتها شعرت بالامتنان لصاحب الرسالة لا لأنه نبهني... بل لأنه أضحكني فالطرفة تباغتنا من حيث لا نتوقع ولكن عرفت أن هذه الرسالة وأشباهها كثير والتي تدور بكثافة على شبكة (الواتس أب) لاتتجاوز أمرين إما:- - نتاج رعب متأصل ومستمر ناتج عن البرانويا االمتجذرة في أعماقنا اتجاه كل ماهو جديد وطاريء، برانويا القرية الصحراوية الصغيرة التي تحس بالضعف والهشاشة من العالم الخارجي، ذلك العالم الذي يجلب الشرور والأوبئة وساحرات يطرن داخل جذوع النخل، وينتهكن براءة وطهارة تلك القرية. -والاحتمال الثاني أن تكون هذه الرسالة هي جزء من الاحتقان الطائفي في محيطنا الإقليمي والتي تحرص بعض الدوائر على تأجيجه لخدمة أجندات غامضة في المنطقة يهمها أن تستعر المناوشات، لأنها ستقف جداراً عازلاً أمام مد الربيع العربي من ناحية، وأيضا هي تمهد أرضية شعبية مناسبة فيما لو اختارت الدول العظمى أن تحل قضية الملف النووي الإيراني عسكرياً. والمشهد المرعب لسحل الشيعي المصري(حسن شحادة) مؤشر بسيط على المآلات التي من الممكن أن تذهب إليها الحروب الطائفية، فالشعب المصري (على الغالب) شعب لا يميل إلى العنف حتى ولو احتشد فضاؤه بالضجيج اللغوي يظل غير دموي!! ولكن مشهد قتل الشيخ الشيعي يجعلنا نميل لنظرية المؤامرة وأن هناك أصابع خفية وأجندات مواربة تجيش الدهماء ليستعر أوار الطائفية في المنطقة. أنا شخصياً فيما يخص الرسالة، أعتقد بأن انتشارها يعكس إحدى ميكنيزمات الدفاع التي اعتدنا أن نرفعها ضد الآخر المختلف... ولكن هذا الخوف والتوجس من الآخر هو يبدأ من بدهية واثقة بأننا ضعفاء للغاية دون حصانة عقدية أو فكرية وأدمغة عاجزة عن المقاومة والنقد والتحليل، أدمغة تقترب من رأس طفل غر يتصعد في الدرجات الأولى للتمييز، ومن الممكن أن يصبح مستباحاً لدى من يحاول أن يستميله أو يستدرجه ويعبث بأفكاره. أو لربما المجتمع برمته يعاني من نقص المناعة....أي مريض!! السؤال هنا بعد مايربو عن النصف قرن من التربية الدينية المكثفة عبر كل منفذ ومنبر هل هذه هي المخرجات؟ مجتمع ببنيان فكري هش من الممكن أن تستميله وتعبث به مكالمة هاتفية من مجهول يسوق لمذهبه كما يسوق مهرب لبضاعة ممنوعة؟؟ المفارقة هنا تظهر عندما نعرف بأن لدينا مشروعاً وطنياً للحوار الوطني، ونقود بشكل أعم وأوسع مشروعاً عالمياً لحوار الأديان والمذاهب. وأيضاً على المستوى الشرعي مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي أفتى في دورته السابعة عشرة المنعقدة عام 1427ه (إنّ كلّ من يتبع أحد المذاهب الأربعة من أهل السُنة والجماعة (الحنفي، والمالكي، والشافعي، والحنبلي) والمذهب الجعفري، والمذهب الزيدي، والمذهب الإباضي، والمذهب الظاهري، هو مسلم، ولا يجوز تكفيره. ويحرم دمه وعرضه وماله. وأيضاً، ووفقاً لما جاء في فتوى شيخ الأزهر، لا يجوز تكفير أصحاب العقيدة الأشعرية، ومن يمارس التصوّف الحقيقي. وكذلك لا يجوز تكفير أصحاب الفكر السلفي الصحيح. كما لا يجوز تكفير أي فئة من المسلمين تؤمن بالله سبحانه وتعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم وأركان الإيمان، وأركان الإسلام، ولا تنكر معلوماً من الدين بالضرورة.) رغم كل هذا يبدو الفكر المتعصب المتطرف كطابور خامس يعمل في الظلام ضد رسل المحبة والتعايش، يؤجج كل ماهو متطرف بدائي متوحش في مجتمعنا. وبعد هذا كله مابرحنا نستلم رسائل جوال تحذر... وتخوف... وتطلق صفارات الإنذار... وكأننا قُصر سيظلون في حالة وصاية... إلى الأبد...