من لا يعرف سلسلة "القادمون"؟. هي مقاطع الفيديو التي غزت موقع يوتيوب منذ سنوات لتصبح أعلى الفيديوهات مشاهدة, وأكثرها إثارة للجدل, بسبب ما حوته من معلومات مفزعة عن نهاية الزمان. وعلى طريقة الكتاب الشهير "أحجار على رقعة الشطرنج", توجه السلسلة اتهامها إلى نخبة العالم ( الأثرياء - الماسونيين -أو اليهود) الذين يسعون للسيطرة على الشعوب ومسخها تحقيقاً لنبوءات نهاية العالم. الإحساس بقرب وقوع "الكارثة" طاغ في السلسلة والسبب يكمن في الموسيقى التي ترافق مقاطعها والتي اشتهرت ب"موسيقى القادمون". هذه الموسيقى الرائعة البديعة تزرع فيك شعوراً بالقلق, تجعلك تلمس "الكارثة" بيديك وتشمّ رائحتها وكأنها صنعت خصيصاً لهذا المعنى المرعب, كأن لحظة النهاية قد حانت ولم يعد أمامك سوى الانتظار. ويكفي أن تضعها على أي فيديو لأي شخص يتحدث عن أي مؤامرة من أي نوع حتى يصبح كلامه مهماً ومنذراً بالخطر, إنها تمنحه مصداقية وتجعله مقنعاً أكثر. فمن أين جاءت هذه الموسيقى؟. وهل صنعت خصيصاً لسلسلة "القادمون"؟. رغم أن لحنها أصبح معروفاً الآن وشعبياً إلى الدرجة التي تجعلك تعتقد أنه لحن كلاسيكي قديم جداً, إلا أنه لحنٌ جديد صنعه الموسيقار البريطاني كلينت مانسيل منذ سبع سنوات فقط ومن أجل فيلم للمخرج المبدع دارن آرنوفسكي عنوانه (النافورة -The Fountain). الفيلم لا يتحدث صراحة عن كارثة النهاية, لكنه يشير لها ضمناً في ثنايا قصصه الثلاث التي يسعى أبطالها للحصول على إكسير الحياة. نرى رجلاً عاشقاً يحاول اكتشاف علاج لإنقاذ زوجته المريضة بالسرطان, وملكة تبعث الإرساليات لأمريكا الجنوبية بحثاً عن شجرة الحياة. هاجس الخلود والانتصار على الموت يسيطران على شخصيات الفيلم, وفي عمق مأساتها نجد ظلالاً لخوفها من الكارثة, من موتها وفنائها. هذه الشخصيات في سعيها للخلود إنما تفعل ذلك لرعبها من الكارثة الحتمية التي يُبشّر بها الموت. لقد أجاد كلينت مانسيل التعبير عن هذا المعنى الكارثي إجادة مدهشة, غارساً في صلب موسيقاه إحساسَ الخوف من الدمار المنتظر, حتى أصبح السامع لها يدرك هذا المعنى دون الحاجة لمشاهدة الفيلم. ومن هنا جاء ارتباطها بسلسلة "القادمون" وبأي فيديو يُحذّر من كارثة وشيكة. كلينت مانسيل الموسيقي المبدع, المولود عام 1963, هو صديق شخصي للمخرج دارن آرنوفسكي, ولولا هذه الصداقة ما كان العالم سيسمع به, وذلك لأن أهم مؤلفاته الموسيقية وأشهرها وأكثرها نجاحاً هي تلك التي صنعها خصيصاً لأفلام آرنوفسكي؛ بدءاً من موسيقى فيلم π عام 1998, مروراً بموسيقاه الرائعة التي لا تقل شهرة في فيلم (مرثية حلم-Requiem for a Dream) عام 2000, وانتهاءً بموسيقى فيلم "النافورة".. أو موسيقى "القادمون".