هذه المشاهدات السريعة لا تعبر عن الوضع المزري في جدة، لأنها مشاهدات متناثرة ويبدو لي أن هذه المدينة عصية على التخطيط وعصية على التطوير.. كنت أسير في طريق الأمير سلطان في مدينة جدة متجها جنوبا وكنت أود الدخول إلى طريق حراء، وكما هي أصول القيادة واحترام حرمة الطريق والرغبة في عدم التضييق على الناس وازحام الإشارة انحرفت يمينا ودخلت الطريق المحلي وفعلا انحرف بي الطريق إلى شارع حراء بعيدا تاركا إشارة المرور المزدحمة وهذا هو الأمر الطبيعي في جميع الطرق ولكني تفاجأت أنني دخلت إلى مواقف سيارات لأحد المولات الذي يقع على تقاطع الشارعين. بالله عليكم كيف يمكن أن يقود طريق محلي لشارع رئيسي مثل طريق الأمير سلطان إلى مواقف سيارات خاصة، لكني تذكرت أنني في جدة وابتسمت وقلت "ألا يقولون جدة غير" فهنا ستُفاجأ بما لا تتوقعه لذلك "وسّع صدرك وخلك ثقيل" وابتسم. المهم أنني صرت ألف في موقف السيارات حتى خرجت إلى طريق حراء وكانت الاشارة قد فتحت مرتين وندمت أنني لم أمشِ كما يمشي الناس وقلت في جدة أبتعد عن "الفلسفة الزايدة وأمشي مع المسلمين". في المساء كنت في حي الأندلس في أحد المطاعم الجميلة وبعد خروجي من المطعم كان لابد من السير عبر طريق الأندلس جنوبا والبحث عن مخرج للعودة شمالا فأنا أسكن في أحد الفنادق في شمال جدة وفعلا سرت في الطريق وأخطأت في المخرج الأول "فالغريب أعمى ولو كان بصير" ولكني تفاجأت أنني أتجه إلى الميناء فانحرفت إلى الطريق المحلي وكان مظلما وموحشا وشعرت أنني خرجت إلى الصحراء رغم أنني في وسط المدينة، وبعد ذلك بدقائق وصلت إلى جسر يوجد به إمكانية الدوران إلى الطريق باتجاه الشمال وفعلا عملت "يو تيرن" لكني تفاجأت أن الطريق الذي "لفيت له" عكس السير يعني السيارات كانت تسير نحوي، وهذه المرة الأولى التي أرى هذه الحالة في العالم فلم يسبق لخبرتي البسيطة أن واجهت مثل هذا الموقف الغريب أن يكون هناك دوران في كلتا الحالتين سيكون عكس السير. المهم أنني واصلت طريقي عكس السير واعتذرت من السيارات القادمة حتى وصلت إلى مخرج أنقذني من هذا الموقف الخطير والحمد لله أنني لم أواجه سيارة مرور "يعني الله سترها"، وبعدها صرت ألف يمينا وشمالا حتى عدت إلى طريق الأندلس والحقيقة أنني لم أكن وحدي بل كانت معي سيارة أو سيارتان، يعني الموضوع ليس مرتبطا بكوني "غشيم وما أدل الطرق في جدة" بل إن بعض أهل جدة الذي يفترض أنهم أدرى بشعابها تاهو مثل ما تهت في هذه المدينة العجيبة. أنا متعود أن أذهب إلى المطار من شارع حراء غربا باتجاه الشرق حتى طريق المدينة ثم أنحرف شمالا حتى أصل للمطار لكني هذه المرة تفاجأت بأن الطريق أصبح مسارا واحدا ابتداء من طريق الأمير سلطان (دوار التاريخ) ويتجه للغرب فقط وطبعا لابد أن تدبر نفسك للوصول إلى طريق المدينة لكني عرفت أن هذه الحالة لها عدة سنوات فالخطأ مني لأنني لم "أذاكر جدة" جيدا، قلت "ما عليه" المسألة بسيطة وفعلا انحرفت شمالا في طريق الأمير سلطان حتى وصلت أقرب إشارة وانحرفت يمينا. المهم أنني وصلت لطريق المدينة وكنت أود الوصول إلى "العرب مول" وإذا كنت غريبا في جدة فعليك استخدام "السنس" وإلا سوف تمضي ساعات ولن تصل إلى المكان الذي تريد، المراد أنني دخلت الطريق المحلي فلا يوجد أي لوحة تشير إلى المجمع لولا كتلته العمرانية الضخمة التي تقودك إليه. أمضيت بعض الوقت في السوق وخرجت من الموقف إلى منطقة خلفية "مروعة" خرائب وطرق غير معبدة ولا يوجد أي ارشادات لكيفية العودة إلى الطريق الرئيس، فوضى عارمة غير متوقعة، ومرة أخرى يجب أن تستخدم "السنس" وإلا سوف تتورط وتجد نفسك في "أبحر" أو متجها إلى "مكة" أو "المدينة". دعوني أحدثكم عن الكورنيش، ولن أذكر جمال المنطقة والخدمات العظيمة التي نفذتها الأمانة مؤخرا فهي لا تتناسب ابدا مع مدينة بحجم جدة ولكني اليوم معني بالسير في هذه المدينة. كما قلت لكم أنني أسكن في فندق في حي الشاطئ في الشمال وأذهب لحي الأندلس جنوبا وافضل دائما استخدام طريق الكورنيش في هذه الرحلة اليومية في احد النقاط يتفرع الطريق ويتوه الكورنيش ولا تعلم إلى أين تذهب، أنا مثلا وجدت نفسي في مستشفى الملك فهد للقوات المسلحة لأنني سرت بشكل مستقيم وبما يرضي الله ولم أحاول أن "اتفلسف" وأكتشفت أن هذه المرة كان علي أن "أتفلسف" قليلا فلا توجد وصفة واضحة لجدة. وفي إحدى المرات قررت أن أعود للفندق ودخلت الطريق الخلفي للكورنيش وصدمت من هول المنظر، الشارع مغلق من القمامة المرمية فيه، لا يمكن لأحد أن يصدق أن هذا الشارع على بعد 50 متراً من الكورنيش ولكن لماذا الاستغراب، فقد كنت قبل أيام في الحي السكني خلف شارع حراء وشاهدت أنابيب الصرف الصحي فوق الرصيف ونقطتا الاتصال بينها وبين الأرض مبنيتان بطابوق أسمني مكشوف بشكل عشوائي يشوه الحي بأكمله. هذه المشاهدات السريعة لا تعبر عن الوضع المزري في جدة، لأنها مشاهدات متناثرة ويبدو لي أن هذه المدينة عصية على التخطيط وعصية على التطوير، فطريق الأمير فيصل بن فهد في حي الشاطئ تم تطويره عدة مرات ومازال الوضع كما هو، الحفريات في كل مكان دون سبب مقنع وطريق الملك عبدالعزيز أصبح اهم شريان حيوي في المدينة ومازالت الاشارات المرورية تعيق الحركة فيه ولا يوجد أي حراك لحل المشكلة. أنا أتحدث عن أكثر الاحياء في جدة تطورا فما بالكم بالاحياء الشعبية وبباقي مناطق جدة، أتصور أن المدينة من الداخل "ينخرها السوس" والتجميل الظاهري لن يحل مشاكلها أبدا. في اعتقادي أن المشكلة تبدأ من إدارة المدينة وتنتهي إليها، فمدينة لها حضورها الثقافي والاجتماعي مثل جدة يفترض أن تدار بطريقة تجعل منها مدينة أكثر هدوءا ووضوحا.