اعلن في مطلع يوليو الجاري عن انعقاد (موتمر القادة في دبي) في 28 و 29 نوفمبر المقبل حيث سيكون موضوع العولمة احد ابرز المواضيع الاساسية المطروحة للنقاش. وفي تقرير اصدره (مشروع دراسة اتجاهات العولمة) الذي ترأسه وزيرة الخارجية الامريكية السابقة مادلين اولبرايت جاء ان الدول الاسلامية تواصل دعمها المستمر للعولمة والديمقراطية على النمط الغربي على رغم المشكلات في العراق. وفي الكلمة الافتتاحية التي ستلقيها اولبرايت في مؤتمر دبي سيكون هناك تشديد ولا شك على ابراز تحول المزاج العربي بشكل عام الى دعم العولمة والديمقراطية على النمط الغربي كما سيكون هناك تشديد على ابراز التقدير الامريكي لهذا الميل العربي لدعم العولمة وتعهد بالمضي قدما فيها لمنح العرب الذين ما زالوا متوجسين منها الطمأنينة والقناعة المطلوبتين لتستتب الامور وتستوي العلاقة كما ينبغي. واللافت ان الاعلان عن عقد مؤتمر دبي الذي سينجم عنه دعم عربي للعولمة معزز بحضور اكثر من 2500 شخصية من ابرز رجال الاعمال في المنطقة العربية تزامن مع نشر تقرير طويل اعده مجلس الاستخبارات الامريكي حول (مستقبل العالم حتى العام 2020). ويجزم تقرير مجلس الاستخبارات ان الولاياتالمتحدة ستظل العنصر الاهم في صياغة النظام الدولي في العام 2020 رغم كل التحديات الضخمة المتمثلة في ادارة العلاقات مع اوروبا وآسيا والشرق الاوسط. ويؤكد ان الولاياتالمتحدة ستلعب دورا محوريا في اهم القضايا العالمية الاقتصادية والتقنية والسياسية والعسكرية بحيث لن تضاهيها دولة اخرى بحلول العام 2020. كما يؤكد تقرير مجلس الاستخبارات الامريكي ان الاتحاد الاوروبي سوف يصبح بصورة متزايدة المؤسسة التي تشكل الركن الاساسي لاوروبا وليس حلف الناتو الا ان العلاقات الامريكية - الاسيوية تنطوي على تحديات اكبر بالنسبة الى واشنطن. ويرى تقرير مجلس الاستخبارات الامريكي ان الاقتصاد الامريكي سيكون اكثر عرضة للتقلبات في القدرة على تقرير حظوظ ومصائر الاخرين.. فيما تترسخ جذور الشبكة التجارية العالمية وتتعمق تشابكاتها كما ان اعتماد الولاياتالمتحدة على امدادات النفط الخارجية يجعلها ايضا اكثر عرضة لرياح التغيير والتطورات فيما يستعر التنافس لبلوغ سبل آمنة الى مصادر الطاقة وفيما تتزايد مخاطر انقطاع هذه الامدادات. ويفرد التقرير حيزا واسعا لتدارس كيفية نجاح الحملة التي تقودها الولاياتالمتحدة لمكافحة الارهاب مشددا على ضرورة تطوير انظمة سياسية اكثر انفتاحا وديمقراطية وتوفير فرص اقتصادية ارحب وتعزيز جهود الاصلاحيين والنظر ايجابا الى مجتمعات مسلمة واسعة لاتدعم الاجندة الاصولية للمتطرفين الاسلاميين. وحتى تظل امريكا قادرة على صوغ النظام الدولي في العام 2020 يستعرض التقرير العديد من المسائل والمشاكل والمتغيرات المتوقعة خلال ال15 سنة التي تفصلنا عن العام 2020 من اهمها (تناقضات العولمة) و (القوى الصاعدة.. المشهد الجيوسياسي المتغير) و (الخطى المتسارعة للتغيير العلمي وانتشار تقنيات الاستعمال المزدوج) و (انتشار الايديولوجيا الاسلامية الراديكالية). لكن التقرير يركز على قدرة آسيا الصاعدة في اعادة تشكيل العولمة والتقليل من حدة الطابع الامريكي لها واعطائها مزيدا من المظهر والنكهة الاسيويين. حيال هذه التوقعات الاستراتيجية وعلى عتبة المشاركة العربية الكثيفة في مؤتمر دبي المهم كيف تتوزع نظرة العرب الى العولمة والى علاقتهم وتأثرهم بها وتأثيرهم عليها. يعتبر الدكتور المغربي يحيى اليحياوي الذي اصدر اكثر من 30 كتابا باكثر من لغة والخبير المستشار لدى منظمات اقليمية ودولية في مجالات العولمة والاتصال ان الشركات الكبرى اصبحت تسير العالم بدل الحكومات والمنظمات. ويقول ان العرب الذين يقل اسهامهم في شبكة الانترنت عن واحد في المائة لن يستفيدوا فعليا من العولمة الا اذا تكتلوا في مجموعات. ويميل اليحياوي الى تفسير ظاهرة الانتشار الكبير للهاتف المحمول في العالم العربي ليس بقدرة العرب على استيعاب التكنولوجيا بل لطغيان الثقافة الشفهية في المنطقة العربية. ويشرح اليحياوي غالبا ما تقدم العولمة على انها انفتاح للاسواق وتحرير للمبادلات وتسهيل لسبل انتقال وسريان السلع والخدمات والمعلومات والمعارف.. وهناك من يتحدث عن (العولمة السعيدة) وبعض المنظمات الدولية تتحدث عن (العولمة الموعودة). ويتابع قائلا انه يقدر روافد العولمة الايجابية خصوصا في ما يتعلق بالتحولات التكنولوجية العميقة مثل الانترنت والفضائيات الاعلامية وسواها. لكن اليحياوي يعلن عن مناهضته للعولمة بسبب طبيعتها المضارباتية وسيادة الربح الريعي الذي يحكمها ولان السياسات الاقتصادية والتكنولوجية والثقافية والاجتماعية لم تعد من اختصاص الحكومات والبرلمانات بل اضحت من اختصاص الشركات الكبرى والمنظمات الاقتصادية والمالية وفي مقدمها منظمة التجارة العالمية. كما يناهض العولمة لانها تدفع بتصور في الاقتصاد مرتكز على السوق دون سواه واختزال هذا الاخير في ابعاد الانتاجية والربحية والفاعلية التنافسية دونما اعارة اهتمام للعواقب السلبية التي يمكن ان تترتب على مستوى الافراد والجماعات. اما رئيس مجلس ادارة مجموعة القاسمي الاماراتية الشيخ فيصل بن خالد سلطان القاسمي فيرى ان العولمة اكثر تعقيدا مما اعتقده الناس في البداية وهي في حاجة الى مزيد من النمو والتطور. ويرى ان الناس في الدول النامية يقبلون عموما بفكرة العولمة وهم مدركون لاهمية التواصل المتزايد بين الدول ولانعكاساته على حياتهم.. وان هناك ميلا متزايدا لديهم في كل انحاء العالم الى اعتبار ان العولمة تؤدي الى تحسين بعض جوانب الحياة مثل توافر المواد الغذائية في المتجر وطرح المزيد من الادوية المتميزة بفاعليتها. لكن الرئيس السابق لجمعية الصناعيين اللبنانيين جاك صراف يرى ان التطورات الحديثة لم تكن دوما نحو الافضل وان الناس تسعى الى مقاومة بعض عناصر الحياة الحديثة لكنهم يتقبلون بسهولة عناصر اخرى كما انهم ينظرون بتقدير الى اشياء اخرى تجعل ايقاع الحياة سريعا جدا وخصوصا الهواتف الخلوية والانترنت. ويلفت صراف الى وجود معارضة ملموسة لقيم الثقافة التجارية الحديثة في الدول المتقدمة. وفي السعودية يدعو رئيس العمليات في (شركة الزامل للاستثمارات الصناعية) عبد الله الزامل الى مواكبة التغيرات التي يشهدها العالم لكنه ينبه الى انه يجب ان نحرص على تعزيز هويتنا الثقافية من التأثيرات الاجنبية. اما التقرير الذي نشره مطلع الشهر الجاري (مشروع دراسة اتجاهات العولمة) الذي ترأسه الوزيرة الامريكية السابقة اولبرايت فلم يتوقف كثيرا امام الممانعات الوطنية لانه لايمكن وقف مسيرة العولمة والمهم هو كيفية التعامل معها لنشر مزاياها على اوسع نطاق بين الدول الغنية والفقيرة للتخفيف من سلبياتها. ويعتبر التقرير ان العولمة اصبحت نموذجا للسوق الحرة والقيم الديمقراطية التي تحظى بالقبول في جميع انحاء العالم ويلاحظ وجود طموحات ديمقراطية قوية في معظم الدول الاسلامية التي شملها الاستطلاع الذي قام به المشروع رغم الصراع الدائر في العراق. لكن التقرير ذاته يقر بانه على رغم الدعم الواسع للعولمة يعتقد الناس في جميع انحاء العالم ان حياتهم اصبحت اسوأ من ذي قبل وترى الغالبية في 34 دولة من اصل 44 دولة ان هناك فجوة بين الاغنياء والفقراء وان هناك تدهورا في مستويات الرعاية الصحية والقدرة على الادخار. وفي عودة الى الدكتور اليحياوي الذي يرى ان العالم يتجه في هذا القرن الى طريقه للتمحور حول ثلاثة او اربعة اقطاب كبرى تحتكر لنفسها كل مصادر الثروة المادية واللامادية المتأتية من الثورة التكنولوجية فان الشركات الكبرى والدول المتقدمة والمنظمات الاقتصادية والمالية الدولية تدفع باتجاه خلق السوق الواحد الموحد. ويقول ان مراكز البحوث وبيوت الخبرة والافكار تقف خلف هذه الشركات في عمل يهدف الى خلق مواطن عالمي موحد التمثل والسلوك لا توجد ممانعة لديه في استهلاك هذه السلعة او تلك حتى مع وجود خصوصيات يتشبث بها. ويتابع انه مواطن يراد له ان يفكر ويقتني ويستهلك دونما تحفظ او تردد.. انها ايديولوجيا الاستهلاك التي تؤجج العولمة وتتحكم في دورة رأس المال من خلالها.