خرج عبيدالله بن العباس مرة من المدينة يريد معاوية في الشام، فأصابته سماء، فنظر إلى نويرة عن يمينه، فقال لغلامه: مل بنا إليها. فلما أتياها إذا شيخ ذو هيئة رثة فقال له: أنخ، نزل، حييت! ودخل إلى منزله، فقال لا مرأته: هيئي شاتك أقضي بها ذمام هذا الرجل، فقد توسمت فيه الخير، فإن يكن من مضر فهو من بني عبدالمطلب، وإن يكن من اليمن فهو من بني آكل المرار فقالت له: قد عرفت حال صبيتي، وأن معيشتهم منها، وأخاف الموت عليهم إن فقدوها، فقال: موتهم أحب إلى من اللؤم، ثم قبض على الشاة، فأخذ الشفرة، وأنشد: قريبتي لا توقظي بنيه إن يوقظوا ينسحبوا عليه وينزعوا الشفرة من يديه أبغض هذا أن يرى لديه ثم ذبحها وكشط جلدها، وقطعها أرباعاً، وقذفها في القدر حتى إذا استوت ثرد في جفنة، فعشاهم ثم غداهم. وأراد عبيدالله الرحيل، فقال لغلامة: ارم للشيخ ما معك من نفقة، فقال: ذبح لك الشاة فكافئة بثمن عشرة أمثالها، وهو لا يعرفك! فقال: ويحك! إن هذا لم يكن يملك من الدنيا غير هذه الشاة، فجاد لنا بها، وإن كان لا يعرفنا فأنا أعرف نفسي، أرم بها إليه، فرماها إليه، فكانت خمسمائة دينار! ثم ارتحل عبيدالله، فأتى معاوية، فقضى حاجته، ثم أقبل راجعاً إلى المدينة حتى إذا قرب من ذلك الشيخ قال لغلامه: مل بنا ننظره في أي حالة هو، فانتهيا إليه، فإذا برجل سرى عنده دخان عال، ورماد كثير، وإبل وغنم، ففرح بذلك، وقال له الشيخ: أنزل بالرحب والسعه، فقال له عبيدالله: أتعرفني؟ فقال: لا والله، فمن أنت؟ فقال: أنا نزيلك ليلة كذا وكذا، فقام إليه فقبل رأسه ويديه ورجليه، وقال: قد قلت أبياتاً، أتسمعها مني؟فقال: هات، فأنشد: توسمته لما رأيت مهابةً عليه وقلت: المرء من آل هاشم وإلا فمن آل المرار فإنهم ملوك عظام من كرام أعاظم فقمت إلى عنز بقية أعنز لأذبحها فعل امرئ غير نادم فعوضني عنها غناي ولم تكن تساوي عنزي غير خمس دراهم فقلت لأهلي في الخلاء وصبيتي: أحقاً أرى أم تلك أحلام نائم فضحك عبيدالله، وقال: أعطيتنا أكثر مما أخذت منا، ياغلام، أعطه مثلها! وبلغت فعلته معاوية فقال: لله در عبيدالله، من أي بيضة خرج! وفي أي عش درج.