مع اقتراب شهر رمضان، تبدأ الكثير من النسوة بفتح الحقائب المندثرة والخزانات القديمة، واستخراج قوائم الأسئلة السنوية التي ينثرنها بين أيدي الشيوخ وعلى عتبات البرامج الدينية عاماً إثر الآخر، المفارقة أن الأسئلة لاتتغير ولاتتبدل ولايصيبها البلى، بل يتداولنها بإصرار وكأنها طقس سنوي مكرر يصحب شراء حاجيات رمضان.. هل قطرة العين تفطر أم لا؟ أو هل استنشاق العطر يفطر أم لا؟ وإن كانت تدور في جلها حول مواقيت دمائهن والصيام !!؟؟ هكذا في متوالية سنوية لاتتوقف، امرأة ساذجة اتصلت بالشيخ المطلق تستفتيه بقطرة العين هل هي تفطر أم لا ويبدو أنها وصلت حدا من الساذجة لدرجة أن الشيخ دعا لها مشفقا عليها من غفلتها قائلا: الله يخلف عليك. النساء اللواتي ينثرن أسئلتهن على الملأ كل العام يستفتين بلا انقطاع، وكأنهن خارج مجتمع بخطاب ديني متدفق عبر كل المنافذ الموجودة.. ابتداء من كتاب الفقه في الصف الخامس الابتدائي، والكتيبات الدينية، والخطب والمواعظ انتهاء بإمام المسجد المجاور للمنزل..كل هذا لم يكفهن لأنهن تعودن أن تظل العقول والأدمغة فارغة عاطلة معطلة بحاجة إلى من يسوقها ويحركها. كيف ينعكس هذا كله على تلك المنطقة المعتمة الغامضة التي تقبع فيها النساء؟ بحيث تتبدد هويتهن الإنسانية، ويحل بدلاً منها الأوهام والغموض والتخرصات، وصورة نمطية حول النساء تكرسهن في مواقع دونية مبنية على خبرات وتجارب متراكمة لاتخدم المرأة ولاتعطيها قيمتها أواحترام محيطها لقدراتها. الصورة الذهنية للنساء تتكون من فسيفساء وقطع متجاورة تكتمل من خلالها اللوحة التي تعكس مكانة المرأة في خلفيتنا التاريخية وثقافتنا. ولنبدأ بمعظم الكتب التراثية والموسوعية فحضور المرأة في معظم هذه الكتب حضور باهت لمحات وإشارات كتابع متوارٍ وكومبارس في خلفية المشهد التاريخي الذي كتبه الذكور تظهر خطفا في ساحات الحدث وعلى ضفاف كتب التراث، كزائدة متعلقة بطرف ثوب شخصية شهيرة إما (كزوجة أو ابنة أو أم) أي حضور الظل الغامض المشوش اللافاعل وغير القادر على دفع الأحداث وتحريكها، فقط حمل ثقيل بحاجة إلى الحماية. يجاور هذا ويداخله إرث مسموم من الروايات التوراتية التي وجدت طريقها لتاريخنا فجعلتهن مصدراً للشر والخطيئة وبأيدهن أنشوطات وحبائل الشيطان يكمنَّ للرجال في الأماكن المظلمة ليلتهمنهن لأننا حينما نسمع بعض الخطب والمواعظ المتعلقة بالمرأة ومكان عملها وملاحقتها في لقمة عيشها بتهمة الاختلاط نكتشف كأنهم يتحدثون عن نساء غامضات أسطوريات بأنياب محتشدات بالغرائز متفلتات، وليس من نراهن حولنا من أمهات وأخوات ونساء فضليات وبنات لمجتمع يجعل المروءة أهم صفات الرجل. فسيفساء الصورة النمطية أيضا تتكون من صور يعكسها بث أيدلوجي رافق التيارات المتشددة التي هيمنت على المشهد في العقود الأخيرة، بث محتقن بألقاب وشعارات وتهم جاهزة ضد النساء الجديدات والتخويف منهن ونسبتهن إلى خطة تغريبية تريد أن تفسد المجتمع، بث منبري مؤدلج بدأ مع الكاسيات واستمر إلى الآن بلا انقطاع عبر كل وسائل التواصل المتاحة. وأخيرا وسط عتمة هذه الفسيفساء التي تطوق الصورة الذهنية..تبزغ شمس صغيرة. عندما حصدت المرأة السعودية أولى ثمار وجودها في مجلس الشورى، بعدما قدمن رؤية واضحة لواقع المرأة وحاجتها لتملك وحدة سكنية، أثمر عن موافقة أكثر من نصف المجلس على توصية مساواة المرأة بالرجل فيما يخص القروض العقارية. الصورة النمطية للنساء بدأت تتفكك..ويعاد صياغتها من جديد.. ولادة جديدة لكن هذه المرة على أيدى النساء أنفسهن.