يقول الإمام الشافعي (إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بسنة رسول الله ودعوا ما قلت). هذا هو تواضع الكبار ووعيهم بقصورهم البشري، وقد طبق الشافعي هذا في حياته كممارسة عملية وكانت له فتاوى في العراق، فلما ذهب إلى مصر أفتى في كثير من المسائل بغير ما كان يفتي به في العراق، لاختلاف الزمان والمكان. و(الحكم على الشيء فرع عن تصوره) والاجتهادات الفقهية يؤخذ من بعضها ويرد البعض الآخر، فهي تظل خاضعة للقصور البشري والظرفية الزمانية والمكانية. لكن الجور والطغيان هناك يكمن مع فرعون الذي قال (أنا ربكم الأعلى)، إصراره المستمر على الاستئثار بالحقيقة الكاملة دون العالمين ليست فقط بنتاج الاجتهاد وتخريجات الفتاوى حول النص، بل أيضا في أدوات مقاربة النصوص وتفسيرها واستنباط الأحكام منها، لاسيما من الذين يقفون جباة ضرائب في دربنا نحو النصوص الدينية، ويجعلون الدين الإسلامي بكل سماحته ويسره وبعده عن الكهنوت شبيها بتلك الديانات الغنوصية الغامضة التي لا يمارس طقوسها سوى فئة من رجال الدين في الغرفات المظلمة. فهم لا يعترفون (بفقه النوازل) أو تعدد التفاسير في مسائل الفروع... فالاختلاف فيها توسعة ورحمة للمسلمين. قال الإمام علي رضي الله عنه (بأن النص حمال أوجه). بينما يصر البعض على لي أعناق النصوص وسوقها بشكل يتوافق مع نية مبيتة ووعي مسبق كامن في أعماقهم. الاستئثار بتفسير واستنطاق النصوص بجماعة محدودة هو المادة الأولى للعنف الديني... الذي يكون أوله التبديع والتفسيق للطرف المخالف وأوسطه التكفير وطرفه أو منتهاه التصفية الجسدية. ولعل أكثر الأحكام الشرعية التي تعرضت للتغييب والإهمال ولي أعناق النصوص تلك المتعلقة بالمرأة وحقوقها الشرعية وتمكينها وتواجدها في الفضاء العام، حيث اختلاط الديني بالعرف الاجتماعي بشكل أبخس المرأة الكثير من حقوقها أو بالتحديد غيبها. وعلى النقيض من هذا أشارت بعض التفاسير الحديثة للنص الديني أن هناك خلطا كبيرا بين مفهوم القوامة والولاية فالقوامة هي العلاقة الشخصية بين الطرفين نظمته الشريعة بعدد من النواهي التي تضمن حقوق النساء في قوله تعالى (فلا تعضلوهن) (لا تضاروهن) (فاتوهن أجورهن) وسواها كثير. بينما في حق الولاية لم يوجد نص ديني واحد في حق الولاية سوى عند الزواج فقط لكن في بقية أمور وشؤون الحياة يحسمها القرآن الكريم بقوله (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَر). ِ هذا الخلط الواضح بين مفهوم القوامة والولاية غيب الكثير من حقوق النساء ومنها حقها في استقلال ذمتها المالية تماما عن الرجل، لذا في الواقع نجد أنها شبه مشلولة إداريا بسبب اشتراطات وجود ولي الأمر، ويندر أن توجد ورقة رسمية واحدة خاصة بالمرأة دون أن يوجد بها بند موافقة ولي الأمر، بالطبع هنا لا نستطيع أن نربط هذا بالتشريع قدر ما نربطه بتفاسير تشريعية مرتبطة بالعرف الاجتماعي. ومع الأسف أولئك اللواتي درسن العلم الشرعي ما برح معظمهن غير قادرات على مقاربة النصوص بعين مستقلة ناقدة وقادرة على استنطاق النصوص الشرعية بما يتوافق مع فقه النوازل وما يتماشى مع مستجدات العصر. فنجدهن مطأطئات مذعنات مقلدات عاجزات عن أن يصنعن حراكا ايجابيا سواء لهن أو لبنات جنسهن، ومن ثم في النهاية يرفعن حول النصوص طوقا مكهربا ويصنعن كهنوتيا إسلاميا ليقتصر التدبر والتأمل في النصوص على تيار متشدد يبغي على النص ويسقط عليه أعرافه الخاصة.