في استفتاء لموقع ايلاف الاخباري نشرته مؤخرا تبين أن 10 بالمائة تقريبا من القراء يعتقدون ان الصفحات الثقافية في الصحف اليومية هي صفحات ممتازة، في حين لم يتردد 47 بالمائة من القراء تقريبا من وصف تلك الصفحات بالسيئة . والواقع ان هذه النتيجة التي شارك في تقريرها 76 قارئاً من قراء ومتصفحي موقع ايلاف تنطبق بشكل دقيق على اية نتيجة لأي استفتاء مشابه يمكن ان يتم إجراؤه على هذا الصعيد . ولعل أسبابا كثيرة يمكن أن تذكر لتعليل وتحليل هذا الوضع الذي وجدت الصحافة الثقافية نفسها فيه بعد أن كانت هي سيدة الموقف في بدايات الصحافة العربية قبل أكثر من قرن من الزمان تقريبا . وبعيدا عن التحليل والتعليل يمكن أن نذكر، نحن العاملين في صناعة الصحافة الثقافية بأن وضعها المتردي لا يثير انتقاد قرائها وحسب بل انه يثير انتقاد اهلها ايضا خاصة وأنهم يجدون انفسهم في كثير من الأحيان عاجزين عن إيجاد المخارج المناسبة راهنا . ولكن يبدو أن من حسن حظ الصحافة الثقافية بالذات أن الصحافة الخبرية تراجعت لصالح صحافة الرأي في ظل الثورة الاتصالية والمعلوماتية التي أصبحت تجسد الخبر السريع بالصوت والصورة المباشرين على شاشات الفضائيات التلفزيونية وشاشة الانترنت . وهذا يتيح للصحافة الثقافية أن تستعيد بعضا من وهجها المفقود، وتضطلع بدور كبير تحتمه عليها طبيعة الصراعات المقبلة بين الدول، حيث بدأت هذه الصراعات تتحول من صراعات سياسية إلى صراعات ثقافية. ولا بد من الاستعداد لهذه المرحلة بكافة الوسائل ومنها الصحافة الثقافية المتمتعة بحريات واسعة وقدرة على التماس مع كل القضايا الاشكالية . ولا بد ان نتوقف عند التطور الذي أصاب بعض انواع الصفحات في الصحافة العالمية، والتي ينبغي علينا ان نلحق بها باسرع وقت، فالصفحات المحلية كانت صفحات سياسية وتخطت هذا الجانب الى نشاطات المجتمع المدني بكل وجوهه مثل الديمقراطية والحريات والاصلاح وفكرة المؤسسات والجوانب الدستورية والقانونية وغيرها . أما الصفحات الاقتصادية فقد كانت صفحات تتحدث عن الانتاج بمعناه الزراعي والصناعي والخدماتي، لكنها تخطت هذا الوضع لتكون صفحات مالية فنية تزدحم بأخبار البورصة والاسواق والعملات، ولتكون ايضا صفحات معرفة تزدحم بأخبار التكنولوجيا والحكومات الالكترونية والاتصالات، وشبه الموصلات مثل الانترنت والموبايل وغيرها . أما الصفحات الثقافية فقد كانت صفحات أدبية وفكرية ولكنها تخطت هذا الجانب الى النمط الثقافي لحياة الشعوب، مثل سلوك الشعوب، والمجموعات، والاجتماع وعلم النفس، والمناهج الفلسفية والتربوية والصراعات الفكرية ... وغيرها . واذا ما تكلمنا بلغة الاقتصاد فإن هذه «الصفحات»، في نسختها العربية بشكل عام، لن تستطيع تحقيق «فائض القيمة» المطلوب منها ما لم تتوافق والتحولات التي ألمت بزميلاتها في الصحافة العالمية، وهذا ما لم يحدث حتى الان ..وإن كنا نأمل حدوثه ما دمنا مؤمنين بالمستقبل . [email protected]