حل الصيف وحزم المصطافون حقائبهم استعدادا للسفر. لقد بدأ موسم السفر في جميع أنحاء العالم وتهيأ المسافرون بعمل حجوزات الطائرات والفنادق والحصول على التأشيرات اللازمة وترتيب جداول الزيارات للمعالم السياحية في الدول التي سيزورونها. ولكن يبقى هناك جانب صحي للسفر على المسافرين ألا يغفلوه في خضم انشغالهم باستعدادات السفر الأخرى. وتظهر الإحصاءات أنه يسافر سنويا حوالي 2 بليون راكب على خطوط الطيران التجارية ولا يعلم الكثير منهم عن الاحتياطات الصحية التي يجب أخذها في الاعتبار خلال التواجد في الطائرة. ملاءمة المسافر جوا صحيا لرحلة السفر أصبحت أمرا مهما، لذلك وجب التوعية بذلك. ولكون السفر أصبح ميسرا للجميع تشجع الكثير من كبار السن والمصابين بأمراض مزمنة على السفر. هذا الأمر نتج عنه ظهور آثار صحية جانبية أكبر للسفر. كما أن تطور صناعة الطائرات مكَّن الطائرات من السفر لعشرين ساعة متواصلة. كل ذلك جعل موضوع تأثير السفر جوا على الصحة موضوعا يستحق البحث والدراسة. لذلك سنتعرض في هذا المقال للتأثيرات الصحية أثناء السفر في الطائرة ونتعرض للجوانب الصحية الأخرى خلال السفر في مقال آخر. تأثير التغير في الضغط الجوي تسافر الطائرات التجارية عادة على ارتفاع 7-12 ألف متر فوق سطح البحر ويعدَّل ضغط كابينة السفر (داخل الطائرة) إلى 1500-2500 متر فوق سطح البحر. هذا التغير في ضغط الهواء الجوي له تأثيرات فيزيولوجية وعضوية يستطيع الإنسان السليم تحملها مع بعض الآثار الجانبية الخفيفة أما المرضى فقد تؤثر عليهم بشكل أكبر. ويسبب نقص الضغط الجوي وخاصة في الرحلات الطويلة أعراضا تشبه أعراض تسلق المرتفعات بسبب انخفاض الضغط الجوي ومن هذه الأعراض الخمول، الصداع، الدوخة، الغثيان وغيرها ويبدأ ظهور الأعراض بعد 3-4 ساعات من السفر. ومن المعلوم طبيا أن انخفاض الضغط الجوي يسبب انخفاض في ضغط الأكسجين المستنشق من الهواء ومن ثم مستوى ضغط الأكسجين في الدم. فعند الضغط الجوي على ارتفاع 2500 متر ينخفض ضغط الأكسجين في الدم عند الإنسان الطبيعي من 95 ملم زئبق إلى 60 فقط وهذا يؤدي إلى انخفاض تشبع الدم بالأكسجين بنسبة 3-6 في المائة. وهذا الانخفاض لا يؤثر على الشخص السليم ولكنه قد يكون مؤثرا على المصابين بأمراض الصدر والقلب والدم المزمنة. لذلك يُنصح المصابون بأمراض القلب والصدر المزمنة بزيارة أطبائهم قبل السفر بالطائرة وخاصة الرحلات الطويلة لتحديد مدى حاجتهم للأكسجين في الطائرة. وفي العادة يوصى بالأكسجين للمرضى الذين يكون لديهم ضغط الأكسجين في الدم عند الراحة أقل من 70 ملم زئبق أو تشبع الدم بالأكسجين 92 بالمائة أو اقل. ويستطيع المرضى الحصول على الأكسجين في الطائرة، ولكن يتوجب عليهم قبل ذلك زيارة الطبيب لكي يكتب تقريرا لشركة الطيران لتوفير الأكسجين للراكب. كما أن نقص الضغط الجوي داخل الطائرة يؤدي إلى تمدد الغاز في تجاويف الجسم بنسبة 30% وهذا يسبب للإنسان الطبيعي آلاما خفيفة في الأذن وأحيانا بعض المغص. ولكن للمرضى الذين أجروا عمليات حديثا في الأمعاء قد يكون لذلك آثار ضارة. كما أن هواة الغطس (سكوبا دافينج) قد يكونون معرضين لداء الغواصين الناتج عن تخفيف الضغط في حال السفر بعد مرحلة غطس قريبة مما قد يسبب ظهور فقاعات الهواء في الدم. لذلك يُنصح الغطاسون بأن يكون سفرهم بالجو بعد 12 ساعة أو أكثر من آخر غطسة. أما الغطاسون الذين يقومون بأكثر من غطسة في اليوم فينصح بأن لا يسافروا بالجو قبل 24 من آخر غطسة. الأمراض المعدية في الطائرة: لأن المسافر في الطائرة يقضي فترات طويلة في مكان مغلق فإن احتمال انتقال العدوى يصبح نظريا أكبر. ومنذ عام 1946 ثبت انتقال بعض الأمراض المعدية في الطائرات مثل الأنفلونزا والحصبة ومرض سارز والدرن وغيره (لم تسجل حالة عدوى بكورونا فيروس في الطائرات حتى الآن). ومعظم الطائرات التجارية تعيد تدوير 50% من الهواء في كابينة الطائرة وتستخدم فلاتر هواء عالية الفعالية لتنقية الهواء. ومن التجارب المسجلة، يقتصر في العادة خطر انتقال العدوى التنفسية على الأشخاص القريبين من المريض مصدر العدوى أو الموجودين ضمن صفين من المريض. ولكن هناك حالات حدثت خارج هذا النطاق مثل الطائرة الصينية 112 والتي أصيب فيها 22 راكبا ومضيفا بمرض السارز. ولا توجد توصيات عالمية بتقليل السفر خلال حدوث الأوبئة. ولا يُعلم هل يؤدي تقليل السفر إلى تقليل انتشار الأوبئة أم لا. ولكن من متابعة ما حدث بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 مباشرة، وجد العلماء أن النقص الشديد في حركة الملاحة الجوية في تلك الفترة في أمريكا صاحبها تأخر موسم الأنفلونزا التقليدية 13 يوما. التجلط الوريدي: هناك علاقة مثبتة بين رحلات السفر الطويلة وتجلط الأوردة خاصة في الرجلين وتظهر الدراسات أن الرحلات الطويلة تزيد احتمال تجلط الأوردة بنسبة أربعة أضعاف ولا يبدو أن هناك فرقا بين السفر في الدرجة السياحية أو درجة رجال الأعمال. وزيادة احتمالات التجلط هي نتيجة لبعض العوامل التي تزداد خلال السفر بالطائرة مثل قلة الحركة، الجفاف، نقص الأكسجين في الدم، وتزداد عند المصابين بالسمنة أو الأورام أو من أُجري لهم عمليات جراحية حديثا أو المصابين بأمراض القلب أو الصدر المزمنة. تمدد الهواء وضيق قناة استاكيوس خلال الارتفاع يسبب ألماً في الأذن ويُنصح المسافرون في رحلات طويلة بالإكثار من السوائل وتقليل القهوة والمشي في الطائرة أو أداء تمارين الأرجل بصورة دورية خلال الرحلة. التعرض للأشعة: من المثبت أن المسافرين بالجو يتعرضون بصورة أكبر لبعض أشعة الشمس الضارة والأشعة من خارج النظام الشمسي ويعتمد هذا على الفصل الذي تم فيه السفر ومدى الارتفاع وطول الرحلة ونطاق السفر، ولكن هذا الموضوع لم يدرس بشكل موسع حتى الآن. ومنذ عام 1991 أصدرت الهيئة العالمية للحماية من الأشعة توصيات بضرورة مراقبة العاملين في الطائرات وقياس مدى تعرضهم للإشعاع من أجل تقليل تعرضهم للأشعة المضرة. وقد يكون الخوف من الإشعاع أكثر عند الحوامل بسبب الخوف من تعرض الجنين للأشعة. ولا توجد توصيات عالمية متبعة لعامة المسافرين حتى الآن. اختلاف التوقيت: اختلاف التوقيت بسبب السفر ينتج عن السفر السريع (كالسفر بالطائرة) عبر عدة نطاقات زمنية، كالسفر من السعودية إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية أو العكس (السفر باتجاه الغرب أو الشرق). ويتسبب اختلاف التوقيت في أعراض مختلفة تبدأ بالظهور خلال اليوم الأول أو الثاني من السفر عبر نطاقات زمنية متعددة (على الأقل نطاقان زمنيان). وتعزى الأعراض المصاحبة لاختلاف التوقيت إلى التغير الحاد الذي يطرأ على الإيقاع اليومي أو الساعة الحيوية في الجسم، حيث يجب على الشخص الاستيقاظ عندما يطلب جسمه النوم، والنوم عندما يطلب جسمه الاستيقاظ. وقد يشكو الأشخاص المسافرون لمسافات طويلة من الأعراض التالية: الأرق، النعاس في الأوقات التي تتطلب الاستيقاظ، قلة النشاط خلال النهار، آلام في الجسم، الصداع، تعكر المزاج، نقص في الشهية، آلام في المعدة وحموضة، اضطراب الجهاز الهضمي، زيادة التبول أثناء الليل. كيف يمكن تجنب أعراض اختلاف التوقيت أثناء السفر؟ في الوقت الحاضر لا توجد أي استراتيجية أو أسلوب علاجي يمكنه التخلص من مشكلة اختلاف التوقيت بصورة فاعلة ودائمة. ولكن هناك بعض النصائح السلوكية التي قد تساعد على سرعة التأقلم مع اختلاف التوقيت في جهة السفر، وتساعد على تخفيف أعراض اختلاف التوقيت. ويبدأ الاستعداد قبل السفر وخلال التواجد في الطائرة: * إن أمكن حاول تغيير وقت نومك واستيقاظك عدة أيام (يومين أو ثلاثة) قبل سفرك ليتناسب مع وقت النوم والاستيقاظ في وجهة سفرك. فإذا كنت مسافرًا باتجاه الغرب، حاول تأخير مواعيد نومك واستيقاظك تدريجيًا (بمعدل ساعة يوميًا). أما إذا كنت مسافرًا باتجاه الشرق فحاول تقديم موعد استيقاظك ونومك تدريجيًا. * عند الصعود إلى الطائرة، عدّل عقارب ساعتك إلى توقيت جهة سفرك. وإذا أمكن قم بذلك التعديل يومًا أو يومين قبل موعد سفرك لأن ذلك يساعد على سرعة التكيف مع التوقيت الجديد. * قم بتمرين العضلات وأنت في مقعدك حتى تتجنب آلام وشد العضلات. * حاول المشي في الطائرة لتنشيط العضلات عدة مرات خلال الرحلة. * تجنب المنبهات كالشاي والقهوة وكذلك الكحوليات أثناء الرحلة. * حاول شرب كميات جيدة من الماء خلال الرحلة؛ حيث إن بيئة الطائرة تؤدي إلى الجفاف. * إذا كانت رحلتك ستصل إلى وجهة سفرك في النهار، حاول النوم خلال الرحلة حتى تصل نشيطًا. إما إذا كانت رحلتك ستصل ليلا، فحاول التقليل من النوم بالطائرة حتى تستطيع النوم عند وصولك. * في الأيام الأولى، تجنب الوجبات الثقيلة في الأوقات التي لا تتناسب مع مواعيد أكلك في موطنك حتى تتوافق الساعة الحيوية في جسمك مع التوقيت الجديد، فقد أوضحت إحدى الدراسات أن ذلك قد يؤدي إلى الاختلال في إفراز بعض الهرمونات كالأنسولين وزيادة مفاجئة في مستوى الجلوكوز والدهنيات. * تجنب الوجبات الثقيلة قبل وقت النوم لأن ذلك يؤدي إلى سوء في نوعية وجودة النوم. * إذا كنت مسافرًا في رحلة عمل، حاول ترتيب مواعيد اللقاءات المهمة بحيث تكون في الوقت الذي يكون فيه جسمك في قمة نشاطه. مع تمنياتي لكم بسفر سعيد وعود محمود. التمارين الرياضية مهمة خلال السفر بالطائرة نقص الضغط الجوي داخل الطائرة يسبب آلاما خفيفة في الأذن