هناك أزمة تعيشها وزارة التربية والتعليم ، وتتمثل في الانفصام النكد بين التنظير والتطبيق، فمما يلاحظ وبكثرة أن مسؤولي وزارة التربية والتعليم يتفننون في إصدار التوجيهات والقرارات غير المدروسة اعتقاداً منهم بأنها الأصلح وأنها الأولى بالتطبيق من غير أن يدركوا العواقب الوخيمة والخسائر العظيمة التي منيت بها هذه الأمة من تلك القرارات، ويمكن الرجوع للمشاريع التي أعلنتها وزارة التربية والتعليم ولم تستطع أن تنفذها على أرض الواقع بسبب أو بآخر، وهنا تكمن المسؤولية العظيمة التي تقع على الوزير أولاً وقبل كل شخص في هذه الوزارة، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته. ومن باب المشاركة في إيضاح الحقائق، والمساهمة الفاعلة في المسيرة التربوية، يطيب لي أن أقف مع وزير التربية والتعليم في هذا المقال عدة وقفات تربوية، يمكن إجمالها في التالي: الوقفة الأولى: أتمنى من وزير التربية والتعليم وهو في بداية فترته أن يقوم بإعادة النظر في الكثير من القرارات التي كان لها الأثر السيئ على التعليم، ومن ذلك التقويم المستمر والذي اعتقد أنه بحاجة ماسة إلى دراسة متأنية من قبل مؤسسة أكاديمية تربوية محايدة الوقفة الثانية: أتمنى من وزير التربية والتعليم أن يضع خطة لفترته الأولى في الوزارة، وأن تكون هذه الخطة منطقية وموزونة ومدروسة، يمكن تحقيقها خلال تلك الفترة، كما آمل أن تبتعد وزارة التربية والتعليم عن الوعود والأماني والأحلام الوردية والتي مللنا سماعها من كل وزير جديد، فمما تناقلته وسائل الإعلام عن أحد مسؤولي الوزارة أنهم بصدد التخلص من المباني المستأجرة خلال ثلاث سنوات!! وهذا مما لا يمكن بحال من الأحوال في ظل الميزانية الضعيفة التي تخصص لوزارة التربية والتعليم. الوقفة الثالثة: آمل أن يرتقي تعليمنا إلى المستوى والطموحات التي يطالب بها المجتمع، وأن يعيد الوزير النظر في وزارته وأن يولي الأصلح، وكلي أمل أن يبادر الوزير قبل فوات الأوان لمعالجة القصور الذي عليه الوزارة، وأن يجتهد خلال فترة توليه الوزارة لمعالجة أكثر المشكلات التي تحتاج معالجة سريعة لها، وسأفرد مقالاً خاصاً عن ذلك في القريب العاجل إن شاء الله. الوقفة الرابعة: لقد آن الأوان في تولي المناصب القيادية للشباب الطموح، فمما يؤسف له أن أغلب المناصب أصبحت حكراً على من بلغ من العمر عتياً، وكلي أمل من كل مدير عام منطقة تعليمية، وكل وكيل وزارة، وكل مدير دائرة أن يراجع نفسه والانجازات التي حققها خلال السنوات الخمس الأخيرة التي أمضاها في منصبه، وعندي اعتقاد جازم بأن الجميع سيرى أن تلك السنون كانت عجافاً ليس عليه فحسب بل على التعليم برمته!!!، فوزارة التربية والتعليم في حاجة ماسة إلى الدماء الشابة المؤهلة والتي تستطيع أن تزيل ركام السنوات التي عاشتها الوزارة، ومما يُحمد له أن هناك الكثير ممن يحمل الشهادات العليا في كثير من التخصصات العلمية والتربوية، فإلى متى يهملون!! ومتى يتقلدون المناصب القيادية!! أم ننتظر حتى يُخط الشيب فيهم ويبلغوا من العمر عتياً ومن ثم نقلدهم تلك المناصب!! الوقفة الخامسة: أن التطور الحاصل في كليات المعلمين خلال العشر سنوات الماضية يدل دلالة واضحة أن هناك جهوداً جبارة بُذلت في سبيل الارتقاء بهذه الكليات ومنسوبيها، فقد كانت مواصلة الدراسة العليا شبه مغلقة، والابتعاث الخارجي مقفلاً، ولكن الجهود التي بذلها معالي وزير التربية والتعليم محمد بن أحمد الرشيد، وسعادة الدكتور محمد بن حسن الصائغ، لا يمكن أن ينكره إلا مكابر، ونحن وإن ذكرنا ذلك فلا يعني الأمر أن الكليات وصلت إلى الطموح المرتجى، لكنها في الوقت الحاضر أصبحت مفخرة لكل طالب دارس بها، ومن وجهة نظر متابع للتطور الحاصل في الكليات فإن هناك جنوداً مجهولين لم نعرف قدرهم ولم نتبصر جهودهم إلا بعد أن كان لنا معهم مواقف أظهرت لنا وجوهاً ورجالاً في قمة الإخلاص والتفاني ولا نزكي على الله أحداً. الوقفة السادسة: بالرغم من الهجوم الذي وجّه لسياسة وزير التربية والتعليم السابق فإن له الكثير من الإيجابيات على التعلم والتعليم، فيجب أن يحفظ التاريخ للوزير السابق التطور الذي أحدثه في كثير من المقررات، والتي واجه النقد والهجوم بسببها، ولكنه صبر وتحمل الأذى في سبيل تحقيق ذلك الأمر، وسأفرد مقالاً خاصاً محايداً عن معالي وزير التربية والتعليم محمد بن أحمد الرشيد في وقت قريب إن شاء الله تعالى. الوقفة السابعة: أقترح على معالي وزير التربية أن يبادر إلى تشكيل نقابة للمعلمين، ونقابة لأعضاء هيئة التدريس من كليات المعلمين بعد أخذ الموافقة من القيادة العليا للبلاد، وأن تكون هذه النقابة منتخبة انتخاباً حراً من جميع منسوبي التربية والتعليم، ويكون دور هذه النقابات مكملاً للسياسة التي تنتهجها الدولة في التمثيل الحقيقي للأفراد في المجتمع المدني، ويكمن الدور الذي تقوم به هذه النقابات في أن تكون همزة وصل بين منتسبيها وبين الوزارة، وقد أثبتت تجارب كثير من الدول في نجاح مثل هذه النقابات المهنية. الوقفة الثامنة: يلاحظ كثرة اللجان العاملة في الوزارة، سواء أكان من منسوبي الوزارة أو ممن يتعاونون معها حتى أصبحت هذه الوزارة تسمى وزارة اللجان وذلك بسبب اللجان العديدة التي تتشكل فيها، مع أن الفائدة المتوخاة قليلة، وكلي أمل أن يعيد الوزير النظر في هذه اللجان والتي تكلف الوزارة المبالغ الخيالية من غير أن يكون لها المردود الموازي، ومما يوسف له أن بعض اللجان لها عدة سنوات وهي تعمل من غير أن يكون لها أثر على التربية والتعليم، والسؤال البسيط: هل هذه اللجان مهمتها تكمن في عقد الجلسات والجلسات من أجل أن تدور عجلة الآلة الحاسبة فقط؟ أترك الإجابة لضمير معالي وزير التربية والتعليم، كما أسأل معالي الوزير ما النتائج التي توصلت لها كل تلك اللجان!!! أتمنى أن أرى في القريب العاجل كتيباً يوضح الانجازات التي حققتها تلك اللجان!!! أخيراً: إن وزارة التربية والتعليم تحتاج إلى كل رأي صادق، وإلى كل قلم غيور، وإلى كل فكر نيِّر، وإلى كل ناصح أمين. أسأل الله أن أكون قد وضعت اليد على الجرح، وأن يلقى ما كتبه آذاناً صاغية، وأعيناً مفتوحة، وأفئدة صافية، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.