منذ سنوات الصبا الأولى ونحن أصدقاء في مدينة شقراء وزملاء في الدراسة أذهب لبيته ويأتي لنذاكر دروسنا.. وكان في المرحلة الابتدائية يقرأ «البداية والنهاية». ثم انتقلنا إلى الدراسة الثانوية وانتقلنا بعد ذلك بقليل إلى دار التوحيد في الطائف لنكون من أول الملتحقين فيها. وما لبث الشيخ أن أتم دراسته في دار التوحيد والتحق بكلية الشريعة بمكة أما أنا فالتحقت بمدرسة تحضير البعثات ولكنا سكنا في منزل واحد، وكان من بساطته أن يطبخ وجبتنا ثم يصر على غسل الأواني وترتيبها دون تدخل مني. ثم التقينا في مصر وجمعنا المسكن وإن اختلفت مسالكنا في الدراسة، فقد كان الشيخ يحضر لنيل دبلوم الدراسات العليا في الحقوق، بينما كنت أدرس في كلية التجارة. ولما عدنا إلى المملكة صادف أن عملنا سوية في وزارة المالية وسكنا في حي الملز في منازل متقاربة، وكنا لذلك نتقابل في العمل صباحاً ونتزاور خارج العمل مساءً. وأذكر أن الأستاذ الدكتور عبدالرزاق السنهوري.. فقيه القانون المدني في مصر قال له يوماً: «إن بلادك يجب أن تفخر بك» وقد صدق. عاش الشيخ معيشة الزهاد وكان يلبس القليل من الثياب ويسكن في مسكن بسيط حتى أنه ليذكرنا بالسلف الصالح في طريقة حياته وسلوكه مع الناس. كان يذكر الله كثيراً، ويعزف عن مجالس اللهو، ويفضل الصمت على الخوض في أحاديث لا فائدة منها. ولم تغيره المناصب بل ظل كما هو طيلة حياته كما كان دائماً. إن أبرز ما يتميز به ذلك الرجل دينه وعقله الراجح وأمانته ونزاهته وصدقه مع ربه وخلقه ووفاؤه مع أصدقائه. أذكر أننا استلمنا مرتبنا الشهري في القاهرة من إدارة البعثات في مصر وركبنا (الأوتبيس) فسرق مرتبي الذي 30 جنيهاً فقال لي الشيخ صالح يرحمه الله: «لا عليك.. إن مرتبي سيكفي لمعيشتنا هذا الشهر». إني أفخر بصداقة الشيخ صالح التي استمرت وسجلها بنفسه على أحد كتبه بخطه «إلى أخي أحمد الشلفان... ذكرى صداقة سبعين عاماً». وقد صدق أبو عبدالله طيب الله ثراه.