قال أبو الحسن الببغاء: بينا أنا وصديق لي من قريش نمشي بالبلاط ليلاً، إذا بظل نسوة في القمر؛ فسمعت إحداهن تقول: أهو هو! فقالت لها أخرى معها: إي والله إنه لهو هو! فدنت مني ثم قالت: يا كهل، قل لهذا الذي معك: ليست لياليك في خاخ بعائدة كما عهدت ولا أيام ذي سلم فقلت: أجب فقد سمعت. فقال: قد والله قطع بي وأرتج علي فأجب عني، فقلت: فقلت لها يا عز كل مصيبة إذا وطنت يوماً لها النفس ذلت ثم مضينا حتى اذا كنا بمفرق طريقين مضى الفتى الى منزله، ومضيت الى منزلي، فإذا انا بجويرية تجذب ردائي، فالتفت، فقالت لي: المرأة التي كلمتها تدعوك، فمضيت معها حتى دخلت داراً واسعة، ثم صرت الى بيت فيه حصير، وقد ثنت لي وسادة فجلست عليها. ثم جاءت جارية بوسادة مثنية فطرحتها، ثم جاءت المرأة فجلست عليها، فقالت لي: أنت المجيب؟، قلت: نعم، قالت: ما كان أفظ جوابك وأغلظه! فقلت لها: ما حضرني غيره، فسكتت.. ثم قالت: لا، والله ما خلق الله خلقاً أحب إلي من إنسان كان معك! فقلت لها: أنا الضامن لك عنه ما تحبين، فقالت: هيهات ان يقع بذلك وفاء! فقلت: انا الضامن وعلي ان آتيك به في الليلة القابلة. فانصرفت فإذا الفتى ببابي، فقلت: ما جاء بك! قال: ظننت انها سترسل اليك، وسألت عنك فلم اعرف لك خبراً، فظننت انك عندها، فجلست انتظرك، فقلت له: وقد كان الذي ظننت، وقد وعدتها ان آتيك فأمضى بك اليها في الليلة المقبلة. فلما اصبحنا تهيأنا وانتظرنا المساء، فلما جاء الليل رحلنا اليها، فإذا الجارية منتظرة لنا، فمضت امامنا حين رأتنا حتى دخلت تلك الدار ودخلنا معها، فإذا رائحة طيبة ومجلس قد اعد ونضد، فجلسنا على وسائد قد ثنيت لنا، وجلست مليا ثم اقبلت عليه، فعاتبته ثم قالت: وأنت الذي اخلفتني ما وعدتني وأشمت بي من كان فيك يلوم وأبرزتني للناس ثم تركتني لهم غرضاً ارمى وأنت سليم فلو كان قول يكلم الجلد قد بدا بجلدي من قول الوشاة كلوم ثم سكتت وسكت الفتى هنيهة ثم قال: غدرتِ ولم اغدر وخنتِ ولم اخن وفي بعض هذا للمحب عزاء جزيتك ضعف الود ثم صرمتني فحبك من قلبي اليك اداء فالتفتت إلي فقالت: ألا تسمع ما يقول! قد خبرتُك، فمغزتُه أن كف فكف. ثم اقبلت عليه وقالت: تجاهلت وصلي حين جدت عمايتي فهلا صرمت الحبل اذ انا ابصر ولي من قوى الحبل الذي قد قطعته نصيب واذ رأيي جميع موفر ولكنما آذنت بالصرم بغتة ولست على مثل الذي جئت اقدر فقال: لقد جعلت نفسي وأنت اجترمتِه وكنت اعز الناس عنك تطيب فبكت، ثم قالت: أوقد طابت نفسك! لا، والله ما فيك بعدها خير، ثم التفتت إلي وقالت: قد علمت إنك لا تفي بضمانك، ولا يفي به عنك.