كشفت دراسة شيقة جدا بعنوان" أكثر المواضيع اثارة للجدل في ويكبيديا" عن نتائج عديدة تحفز الباحثين في العلوم الانسانية بل وحتى الانسان العادي للتفكير والتأمل، ولعل أي انسان لن يقاوم فضولا ملحا ليعرف عن ماذا يتناقش البشر وعن ماذا يتجادلون وبمختلف اللغات في الكرة الأرضية! وهذه النقطة جميلة للغاية في هذه الدراسة. فقد قام عدد من الباحثين من أمريكا وبريطانيا وهنغاريا بانجاز هذه الدراسة ومن تخصصات مختلفة أو ما يسمى multidisciplinary أي أن القائمين عليها من تخصصات متنوعة وهذا يعطي بالتأكيد غنى وثراء لموضوع البحث. لم يكتف هؤلاء بتحليل صفحات ويكيبيديا الانجليزية مثلا! بل حللوا في هذه الدراسة حوالي 13 لغة، كالفرنسية والعبرية والألمانية والعربية والصينية والأسبانية واليابانية والهنغارية. قد يقول قائل ان "ويكبيديا" غير موثوق بها كمصدر للمعلومات، وفيها كثير من التحيز، اذ يحررها أناس عاديون! لهم مشاربهم وأهدافهم وأيدلوجياتهم المختلفة!! ولكن لعل ما سبق يجعل "ويكبيديا" ظاهرة فريدة ومغرية للدراسة من قبل الباحثين. يقول "طه يسيري" من "مركز جامعة اكسفورد للانترنت" وهو أحد القائمين على هذه الدراسة: من أين لنا أن نأتي بظاهرة تماثل ويكبيديا؟ بأكثر من 40 مليون مُحرر! وهؤلاء مجتمعين ينتجون أكثر من 37 مليون مقال وبأكثر من 28 لغة!! ويضيف أن مجموعة صغيرة من الأصدقاء قد تجد التعاون صعبا وشاقا في مشروع أو الاتفاق على رأي مثلا! فكيف تأتى لهذا العدد الضخم من الأفراد غير المتخصصين ومن مختلف الثقافات والخلفيات بإنتاج أكبر موسوعة في عصرنا الحاضر؟! الدراسة عرضت النتائج ومن بينها جدول مرتب فيه أكثر 10 موضوعات اثارة للجدل في كل لغة. مثلا الانجليزية الموضوع الأول كان عن جورج بوش الابن طبعا! تليه "الأناركية" نظرية وحركة سياسية واجتماعية، ومن ثم اسم "محمد" كموضوع للجدل والبحث! وبالنسبة للعربية، جاء موضوع "الأشعرية:" أول موضوع وبعده موضوعات مختلفة من بينها "محمد" الذي احتل المرتبة الثالثة، أي أن متكلمي اللغة الانجليزية والعربية لديهم نفس درجة الاهتمام بهذا الموضوع. وأيضا من أكثر المواضيع اثارة للجدل باللغة العربية "الوهابية" و"مصر" و"سوريا" و"علي"!! من النتائج أيضا أن الدين والسياسة كموضوعات للجدل أكثر باللغات العربية والعبرية والفارسية! وفي أسبانيا والبرتغال أكثر المواضيع اثارة لديهم كرة القدم والأندية! والصينيون واليابانيون يثيرهم "فن المانجا" و"الانيمي" و"المسلسلات التلفزيونية"!! بينما التشيك والفرنسيون يبدون اهتماما أكثر نوعا ما بالمواضيع التقنية والعلمية. صدقا الدراسة مثيرة ومحفزة - ستصدر كجزء من كتاب عام 2014- وتعطينا فهما واستبصارا أكثر بطبيعة الشعوب والثقافات والصراعات الخ. ولمن أراد الاطلاع على الدراسة "كمسودة قبل النشر"، فهي موجودة على هذا الرابط http://arxiv.org/ftp/arxiv/papers/1305/1305.5566.pdf. ختاماً شكرا لهؤلاء الباحثين، وبالطبع شكرا لويكبيديا!!