على مدى ست دورات متتالية ونحن نتابع باهتمام الاحتفالات بمنح الأعمال الفائزة بهذه الجائزة العالمية للترجمة من اللغة العربية وإليها، وآخر تلك الاحتفالات ذلك الاحتفال الذي دشنه في الرياض قبل أسابيع مضت صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن عبدالله بن عبدالعزيز نائب وزير الخارجية، ورئيس مجلس أمناء الجائزة، وفيه مُنحت لثمانية مترجمين، ولمركز متخصص في الترجمة هو المركز العربي للتعريب والترجمة والتأليف والنشر التابع لجامعة الدول العربية. هذه الجائزة الفتية التي لم يمض على منحها سوى ست دورات اكتسبت شهرة عالمية وبعدًا دوليًا قل أن يتحقق لغيرها في عمرها القصير، ولقيت وتلقى إقبالاً منقطع النظير من مختلف أنحاء العالم؛ فقد بلغ عدد المشاركات والأعمال المقدمة لنيل الجائزة خلال هذه المدة (869) مشاركة في مختلف الفروع، وبلغ عدد اللغات التي تنتمي إليها هذه المشاركات 36 لغة توزعت على إحدى وخمسين دولة من مختلف قارات الدنيا الست المأهولة، وهو عطاء ضخم دون شك، ورافد مهم لمكتبة الملك عبدالعزيز التي ترعى هذه الجائزة يتيح لروادها في مختلف فروعها في المملكة وخارجها الاطلاع على كثير من تجارب الآخرين وفكرهم وعطائهم ومنجزاتهم العلمية والحضارية، وسيكون له آثاره البعيدة والقريبة. وانعكاساته الإيجابية على تقدم البشرية، واتساع نطاق المعارف الإنسانية التي تدين بتطورها وتقدمها عبر تايخها للترجمة بين لغات الشعوب المختلفة. فلو عدنا قليلاً إلى الوراء، وقلبنا صفحات التاريخ لوجدنا أن الترجمة بين لغات شعوب العالم كانت ذات بعد كبير في تقدم الأمم ونهضتها ورقيها وازدهارها؛ فالدولة العربية الإسلامية مدينة في نهضتها وتقدمها الحضاري والعلمي لما نقل إليها من اللغات اليونانية والرومانية والفارسية والهندية. ونهضة أوروبا الحديثة مدينة لما نقل إليها من علوم العربية في مختلف ميادين المعرفة. واليابان وكوريا الجنوبية ومختلف دول شرق آسيا الناهضة مدينة في نهضتها وقوة اقتصادها لما نقل إلى معارف أهلها ولغاتهم من منجزات التقدم العلمي والتقني الذي وصل إليه الغرب. ونحن في بلادنا لا نختلف مطلقًا على أهمية الترجمة، وإلى حاجتنا إلى مركز أو مراكز متخصصة وقوية للعناية بها، وكثير مايدور في مجالسنا الخاصة والعامة، وفي أروقة الجامعات، وفي كل مناسبة تقام هنا وهناك نقاش جاد حول موضوع الترجمة، ومامنا إلا وفرح فرحًا عظيمًا حينما أعلن عن جائزة الملك عبدالله العالمية للترجمة بوصفها أول مبادرة على مستوى الوطن تُكرّس لخدمة هذا الجانب المهم. وقد نجحت ولله الحمد نجاحًا منقطع النظير، واكتسبت سمعية عالمية ودولية لامثيل لها في عمرها القصير كما أسلفت. فلعل هذا النجاح يشجع على توسّعها وتوسّع نطاق أهدافها ومهامها ورسالتها العالمية الخالدة بحيث تصبح مركزًا عالميًا للترجمة، وتكون الجائزة العالمية جزءا من هذا المركز الذي يؤمل أن يأخذ على عاتقه ترجمة كل جديد إلى لغتنا المجيدة من مختلف لغات العالم، وفي المقابل نقل حصاد ثقافتنا وتاريخنا وتراثنا والمميز من منجزات وطننا وبُناته العظام إلى العالم بلغاته المختلفة، وذلك بتمويل وتشكيل ودعم فرق متخصصة ومتفرغة في هذا المركز المأمول (إن شاء الله) للترجمة إلى العربية ومنها في كل فن من فنون المعرفة الإنسانية. إننا نعرف جميعًا والعالم كله يعرف عناية الملك عبدالله ( حفظه الله ) بالثقافة الإنسانية منذ نعومة أظافره، ومنجزاته في الجانب الثقافي، وفي إحياء التراث الوطني، ونشر ثقافة الحوار، والتوسع في فتح الجامعات والابتعاث الخارجي معروفة للقاصي والداني.. فهل يتحقق على يديه ( حفظه الله ) وفي عهده الميمون إنشاء مركز عالمي للترجمة ومنه هذه الجائزة العالمية المهمة.. إننا لنرجو ذلك!! * عضو مجلس الشورى