«لشد ماصرت أفاجأ كثيراً وأنا ألاحظ بأن الناس قد غدت تستطيب بشكل متزايد رؤية المناظر الطبيعية معروضة على السينماء، أكثر مما تستطيبها مثلما هي حقا في الواقع» ( إيرنستو ساباتو) في تتالي نشر الروايات الذي أصبح ظاهرة توسع فيها السعوديون حتى تفوقوا عددا على سواهم مايشير إلى أن اهتماما متزايدا بالرواية يأخذ في طريق الاتساع لتقبل هذه الأعمال لدى المتلقي، فكثرة العرض تعني أن هناك طلبا مواكبا لها استوعب ويستوعب القادم، فلهذا تضاعف النشر الروائي على مستويات متباينة كما أنه يزداد عاما عن آخر، وجاءت الأعمال تدلل على الإقبال من قبل الطرفين الكاتب والقارئ على التماهي في عملية تصاعدية غير مُقَوِّمَة من قبل أهل الاختصاص القادرين على الفرز وتبيان الجيد من الرديء لكثرة المعروض وطغيانه مما أغرق المساحة بطوفانه الذي شتت الرؤية بحيث فقد التركيز على عمل أو عملين، ولكن مع هذا الطوفان لا يفقد التفاؤل والأمل بأن هناك من الأعمال ما يلفت الانتباه خصوصا إذا كان لمن سبق له أن قدم أعمالا في هذا المجال، لأن الاستمرار في العطاء يعني أن هناك اهتماما مؤداه القناعة بالقدرة على العطاء، ولهذا فإن مثل هذا يستحق أن يعطى حقه المستحق كفاعل مؤثر في مجاله، فالروائية (الكاتبة) أميمة الخميس قدمت للساحة عددا من الأعمال القصصية مثل : (والضلع حين استوى) و(مجلس الرجال) و(الترياق) والروائية ك: (البحريات) و(الوارفة) التي تلقاها المهتمون بما يرى أنه حق لها من الكتابة عن بعض تلك الأعمال التي أصدرتها. في روايتها الأخيرة الصادرة حديثا بعنوان (زيارة سجى) عن دار مدارك تقدم عملا مغايرا لأعمالها السابقة خصوصا في التكنيك هذا الفارق الفعلي المشير إلى قدرات الكاتب على التنقل تنوعا في عرضه بوسائل عديدة تضفي الجمالية الحية ذات الحركة الدائمة كمؤشرات تتبدى في عملها (= المؤشرات التقنية) على تكوين العالم الروائي كمتخيل، وعلى توليد الطابع السوي الشخصية فيه، فالناقدة يمنى العيد ترى في ذلك أنه سير على قاعدة الصدقية المشروطة أساسا "بمدى دقة ملاحظة النص المتخيل وفق بنيته" حيث يظهر المجتمع في صوره شكلا على قواعده المتسقة، والمتآلفة/ المتخالفة لكونه تصويرا وبوحا متخيلا يتكىء على أصل الفعل والتفاعلل الاجتماعي برؤية المبدع الذي يماثل مهندس الديكور عندما يضيف ويحذف حسب ذوقه الجمالي الذي يرى أنه الأوفى حسب مساحات يمتلكها في مخزونه المعرفي مكتسبا ومتخيلا دون دوران في حلقة مفرغة مؤداها التكرار والمحاكاة لكون ذلك ينافي سمة الإبداع ويكرس الامتصاص دون تصفية أو تنقية فيكون العمل منسوخا عن سابق له كما التوأم. شخوص الرواية على لسان الراوي هي التي تتحدث، هي التي تكتب روايتها بتحركاتها وأفعالها حتى في مخيالها، فأميمة الخميس التي رصدت الشخصيات وسجلت أسماءها توهمك أنها هي المتحدثة ولكن تفاجأ بأن راويا لكل شخص نتج من نفس الشخصية، فبعد فصول (هند/ماما لولوة/ ام حسين المعترضة، اخذوها بسم الله الرحمن الرحيم من قبل وبدلوها بواحدة (ام حسين) ثانية/ سجي (ويجي) الشخصية المحورية تسرح وتمرح في تشكلات عدة لربط الأحداث فنتازيا وتخييل إلى أن يجيء فصل (أميمة) كمن تعلن براءتها من رسم الشخصيات حيث تلعب كل شخصية أدوارها كما تشاء لا كما تريد الراوية التي خرجت من المؤلفة متطوعة لتعمل على كتابة الرواية من الفصل الأول إلى الأخير، فهي كما تشير في فصل (أميمة) تحدد كشخصية ضمن شخوص الرواية وهي تسرد الأحداث" اكتشفت أن الساحر والروائي قد يكتشفان ذلك الباب الصغير الذي يفضي إلى البرزخ. الساحر يمرر عبر شياطينه، والروائي يمرر عبر شخصياته، وهو يظن في البداية أنهم سيهمسون بقصصهم ومن ثم سيغادرون بعد أن تنفذ اتعابه " ثم تسترسل " ولكن الروائي حينما يمنحهم المشيئة (شخوصه) ستتحول المشيئة باتجاه هتك تفاحة المعرفة وسيعصونه ويأبون ويستكبرون، إنها الدراما الأزلية، يفضلون أن يصنعوا أقدارهم بأيديهم، ويتحدوك بين السطور ويرسلوا لك نظرات نارية ناقمة أن تحاول أن تتدخل وتعسف مشيتهم "وهذا طبعا فن تكتيكي في كتابة الرواية بحيث كثر الرواة ولكن المنبع واحد هو كاتبة الرواية ومدى قدرتها على تطويع الصور بحيث تسطع وتبهت وهي متوارية تراقب وتوجه ولكن في الخفاء الذي لا يختفي ولا يمكن أن يخفيها فهي الكاتبة: "أفسحت لهم الصفحات البيضاء لينحتوا حكاياتهم بحسب ما عاشوها لم أصنع قوالب الكلام داخل أفواههم لم أحدد لهم أماكنهم داخل الصورة الكلية. تدافعوا للمقاعد التي اختاروها، وبدأوا في القص وأنا كنت أستمع وأدون خلسة، وكنت أود أحيانا أن اتطفل وأمد يدي وأرمم ثغرة هنا، وأرتق ثقبا هناك وأذكرهم بأمر اغفلوه سوف يخل بتماسك الحكاية ولكنهم كانوا يرفعون دوني سدا أو سورا مكهربا" اسلوب جديد وتخطيط مختلف عن الروايات السابقة لأميمة التي تؤكد للمتلقي أنها تأبى الركود والسير على نهج واحد لكي لا يتسلل الملل والسأم من التكرار. وهي نقلة موفقة في البراعة تشي بأن قادما مختلفا ومغايرا لن يكون صعبا على ملكتها الراكضة وراء المتنامي والمتحرك ابداعا كموهوبة وبحكم المتابعة والرصد ومساحة الاطلاع الواسعة على أركان الساحة الفكرية في إطار الثقافة المكتسبة بجدية تنعكس سماتها على كتاباتها المتنوعة المتوجهة إلى مدار الجرأة في الطرح والتشكيل والتلوين لحفر خصوصية متفردة في رسومها وصورها المستقاة من جدول الإبداع الجاري في جنبات واحة المجتمع.