السجن خمس سنوات لمواطن بتهمة الاحتيال المالي على 41 ضحية عبر منافذ البيع الإلكترونية    صعود مؤشرات الأسهم اليابانية    أمير نجران يعتمد الهيكل الإداري للإدارة العامة للإعلام والاتصال المؤسسي بالإمارة    رياح نشطة على عدة أجزاء من مناطق المملكة    بعد قرار مفاجئ.. إلقاء مدير مستشفى في حاوية قمامة    السودان يدخل عامه الثالث من الحرب وسط أوضاع إنسانية كارثية.. مكاسب ميدانية للجيش و"الدعم" ترد بمجازر دامية في الفاشر    مها الحملي تتألق في رالي الأردن وتحقق المركز الثاني عالميًا    الجبير ومسؤول أوروبي يستعرضان التعاون المشترك    في إياب ربع نهائي دوري أبطال أوروبا.. برشلونة وباريس لحسم التأهل أمام دورتموند وأستون فيلا    تطوير التعاون السعودي الأمريكي بقطاع التعدين    "واتساب" تمنع الآخر من تخزين صورك وفيديوهاتك    4 أيام على انتهاء مهلة تخفيض المخالفات المرورية    59 بلاغًا عن آبار مهجورة في القصيم    السبتي: جودة التعليم أولوية وطنية ومحرك رئيس للازدهار    أكد ضرورة الاهتمام بالمتميزين في المنطقة.. أمير الرياض: مليون ريال دعم سنوي لجائزة الأمير فيصل بن بندر للتميز والإبداع    الشرطي الشبح    تحت رعاية خادم الحرمين.. أمير منطقة الرياض يكرم الفائزين بجائزة الملك فيصل لعام 2025    الحقيقة التي لا نشاهدها    انعدام الرغبة    لا تخف    الذهب يتراجع من أعلى مستوياته التاريخية وسط تزايد الإقبال على المخاطرة    القوات الجوية الملكية السعودية تشارك في تمرين "علم الصحراء 10"    نائب أمير المنطقة الشرقية يعزي أسرة فيحان بن ربيعان    تعاون مثمر    عدنان إبراهيم    %13 نمو ممارسة السعوديين للألعاب الشعبية    محطة أرضية للطائرات المسيرة    زهور حول العالم    الدرعية بطلاً لدوري الدرجة الثانية على حساب العلا    رونالدو يتوج بجائزة هدف الجولة 27 في دوري روشن للمحترفين    طرح الدفعة الثانية من تذاكر الأدوار النهائية لدوري أبطال آسيا للنخبة    10 سنوات على تأسيس ملتقى أسبار    5 مكاسب بتبني NFC في الممارسة الصيدلانية    نادي الثقافة والفنون في جازان يحتفي بعيد الفطر في أمسية شعرية من أجمل أماسي الشعر    اعتماد جمعية رعاية كبار السن بمنطقة جازان    تفوق ChatGPT يغير السباق الرقمي    5 مميزات خفية في Gemini    الفلورايد تزيد التوحد %500    تأثير وضعية النوم على الصحة    دول غربية تعالج التوتر بالطيور والأشجار    ‏برنامج الإفتاء والشباب في مركز تدريب الأمن العام بمنطقة جازان    (16) موهوبة تحول جازان إلى كرنفال استثنائي    كوزمين: مرتدات التعاون تقلقني    سمو وزير الخارجية يتلقى اتصالًا هاتفيًا من وزير خارجية سوريا    جلوي بن عبدالعزيز يعتمد هيكل الإعلام والاتصال المؤسسي بإمارة نجران    "الشورى" يقر نظاماً مقترحاً لرعاية الموهوبين    «حماس» توافق مبدئيًا على توسيع صفقة الأسرى.. انفراجة محتملة بالمفاوضات    الأمم المتحدة تدين الهجمات على مخيمات النازحين بالسودان    القبض على مواطن لتكسيره زجاج مواقع انتظار حافلات في الرياض    أمير تبوك يزور الشيخ محمد الشعلان وبن حرب والغريض في منازلهم    وزارة البلديات وأمانة الشرقية و وبرنامج الأمم المتحدة يطلعون على مبادرات التطوير والتحول البلدي    الزامل مستشاراً في رئاسة الشؤون الدينية بالحرمين    الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر توقع مذكرة مع جامعة الملك خالد    وقفات مع الحج والعمرة    مدير فرع الهلال الأحمر يستقبل مدير عام فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الإجتماعية    شيخ علكم إلى رحمة الله    إطلاق 2270 كائنا في 33 محمية ومتنزها    أمير تبوك يعزي أبناء جارالله القحطاني في وفاة والدهم    









إسفاف عقيدة الكراهية
نشر في الرياض يوم 30 - 05 - 2013

مقاييس طلب الحق واضحة جلية لا تلتبس إلا على من بغى الالتباس وسعى إليه سعيه، وأهم وأولى مقاييس الحق التجلي لطلبه، ولن يرجى تجل حقيقي طالما تصدرت قداسة الرجال مطلب الحق، الحق الذي يجب أن يأتي متحرراً تماماً من أي سلطة، فلا يتوقف عند سلطة النطق بأقوال الرجال، فئوية كانت أو مذهبية أو سواها من هنات العنصرية وشرورها وفسادها..
لقد حفظ صغيرنا قبل كبيرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداثا وقصصا ومواقف عظيمة لتسامحه وعفوه وصفحه عمن أساء إليه أو شتمه، بل حتى من سعى لقتله من صناديد المشركين وزعمائهم، لكن أحد كهنة التزمت والعنف الدموي ضرب صفحاً عن تلك الصفات الجلية، فذكر قصصاً- لا تصدق- في إحدى خطب الجمعة، مؤداها أن الرسول عليه الصلاة والسلام ينتقم ممن آذاه بالقتل والتصفية، جاء فيها: "وفي مكة كان رجل اسمه ابن خطل يسب النبي صلى الله عليه وسلم وينشد الأشعار في ذلك وتسير بها الركبان، وكان ينهى فلا ينتهي، ويزجر فلا ينزجر، وكان له جاريتان يدفع إليهما الأموال لتسباه صلى الله عليه وسلم وتغنيان بأشعاره، فلما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة وقال: من دخل المسجد فهو آمن، ومن دخل داره فهو آمن، أقبل أحد الصحابة فقال يارسول الله إن ابن خطل ذلك الذي يسبك ويشتمك وتغني العرب بأشعاره، وقد قلت من دخل المسجد فهو آمن، إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة يعني دخل المسجد وتعلق بأستار الكعبة، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم صوته وقال: اذهبوا فاقتلوه، ليس له ذمة، وليس له عهد،وليس له كرامة".
دليل واضح يبصر بغيه مَن لازال في قلبه مقدار ذرة من حق، أن هذا الواعظ إنما يسوِّق للعنف لغاية في نفسه، ويرمي بكرت بغي يمرر من خلاله رسائل تصفية همجية وحشية، فما اكتفى بتشويه صورة السماحة والعفو للنبي صلى الله عليه وسلم بل تعدى فصوره منتقما مخلفاً للوعد ومنتهكاً للعهد، إذ كيف يهب الأمان لمن دخل المسجد ثم يسحبه بمنتهى البساطة استجابة لرغبة انتقام؟!
لم يفصل واعظ عقيدة الكراهية هذا بين شخصية الرسول وعشقه الدموي، فكان الخلط والتخليط سيد الموقف، فهل يجوز أن يسكت المستمعون لخطبة تستمتع بسلطة الأحقاد وتؤصل لشخصية دموية تتشفى بالانتقام والقتل ثم يقال هذا نبيكم؟! أي سخرية تعبث أم أي عبثية تسخر من عقولنا وهي تسمع دجل الكراهية المقيت وهو يوظف أقسى صوره؟!، وهل هو صمت دهشة أم صمت تصديق، أم صمت فئوي يعاند ويكابر لأجل العنصرية؟، هل نصدق أن الرسول عليه السلام سعى للتسامح والعفو، أم كان منتقماً متشفياً؟! أنصدق أحد المتناقضات أم نجمع بينهما في صفات لا تجتمع في شخصية طبيعية، فكيف في نبي وصفه تعالى بنبي الرحمة؟!! السؤال موجه لأهل العقول الذين يشهدون بالحق وبه يعدلون..
خطبة جمعة تتسرب منها روح الابتزاز القسري الهابط لتصعيد الموقف تجاه كل مختلف، ومن استمع إليها يثق بأنها لا تتجاوز تبريرا للعنف، يعتمل في داخله شهوانية دموية تعيث في الحق فساداً، إضافة لتكوين جبهة صد من المتنمرين الذين يغلقون أبواب الرحمة والقبول لكل راجع أواب ليسدوا عليه طريق التوبة والإياب، حقيقة...، اللوم لا يقع عليه بل على من فسح له منبراً لنشر رذيلة الكره والتجني، وعلى من يصدقه ويصغي له بلا تساؤل يكشف الطريق وينير درب الهداية.
أحداث فتح مكة تخبرنا بخطاب بليغ وجهه عليه الصلاة والسلام لأهلها:«يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنّ اللّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ نَخْوَةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَتَعَظّمَهَا بِالْآبَاءِ، النّاسُ مِنْ آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ»، ثم تلا هذه الآية: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، ثم قال صلى الله عليه وسلم: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، مَا تُرَوْنَ أَنّي فَاعِلٌ فِيكُمْ؟» قَالُوا: خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ. قَالَ: «اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطّلَقَاءُ"
حديث يبدأ بنبذ العنصرية؛ نخوة الجاهلية، المسببة للعداوة والبغضاء والعنف والقسوة، ويؤسس لمقياس التفاضل الحقيقي المستمد من تقوى الله، والمحبة المطلقة لعباد الله المتنزهة عن التزمت والكراهية المنطلقة للتسامح والعفو.
فالعفو من العلامات المميزة له عليه الصلاة والسلام، حتى ذكرها رب العالمين في صفته في كتب الأولين، فقد جاء في التوراة أنه "يسبق حلمه جهله، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما" فلقد تجاوز عفوه الأفراد ممن سبه وكاده وحاول قتله، ليشمل شعوباً كاملة، وأمماً بأسرها، كأهل مكة وهوازن وثقيف.. ولكن لخدمة عقيدة الكارهين المتزمتين مطلوب أن تكتم في نفسك كل الحجج المتناقضة، فتسمع قول "اذهبوا فأنتم الطلقاء" وقتل رجلٍ يتعلق بأستار الكعبة بعد أخذ الأمان، ولا تتساءل ولا تعلق ولا تستنكر ولا ترد، فأي جهل يرضي عقائد الكارهين أكثر من حالة التجهيل المبيد هذه ؟!
إن تسامح الرسول عليه الصلاة والسلام مع عكرمة بن أبي جهل أحد كبار زعماء مكة وأشد أعداء الرسول ضراوة وأكثرهم محاربة جديرة بالتذكر، فقد شفعت زوجة عكرمة أم حكيم بنت الحارث بن هشام لزوجها عند رسول الله بعد أن أسلمت في أن يعود إلى مكة المكرمة آمنًا، وقالت: "قد هرب عكرمة منك إلى اليمن، وخاف أن تقتله فأمِّنْهُ".. فرد الرسول صلى الله عليه وسلم في يسر وسهولة: "هُوَ آمِنٌ"
وعندما جاء فرح به رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا له: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ كُلَّ عَدَاوَةٍ عَادَانِيهَا، وَكُلَّ مَسِيرٍ سَارَ فِيهِ إِلَى مَوْضِعٍ يُرِيدُ فِي هَذَا الْمَسِيرِ إِطْفَاءَ نُورِكَ، فَاغْفِرْ لَهُ مَا نَالَ مِنِّي مِنْ عِرْضٍ فِي وَجْهِي، أَوْ وَأَنَا غَائِبٌ عَنْهُ». فقال عكرمة: لا أدع نفقةً كنت أنفقها في صدٍّ عن سبيل الله إلا أنفقت ضعفها في سبيل الله..."، صورة تؤكد مصداق قوله تعالى "ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك" فهل ينفض المصدقون لهذا الواعظ المتجني على كلام الله بعد أن بث سموم كذب الأحقاد وشهوة الدماء؟!!
إنه ليس أقبح من أن توظف الكراهية والتوحش لنصرة نبي الرحمة؛ الرحمة العامة التي هي إحدى غايات رسالته (وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة لِلْعَالَمِينَ)، وليس على الكارهين أقسى من دعوات العفو والقبول فهي مر على قلوبهم، أذىً لأسماعهم، قذى لأبصارهم، فلا يمكن أن تجدهم في دعوات المحبة والتواد والرحمة والتعاطف والتسامح، لأنها مواقف لا يفقهها توحش واستبداد نفوذ كراهيتهم، فميدانهم سعي حثيث يتنادى بالحجر على الإنسان؛ على تفكيره، على حريته، على استغلال خطئه، على الدعوات للعنف والطرد والإقصاء والنفي، ولو كان الأمر بيدهم لنزعوا من التاريخ صفحات التسامح، ولكن؛ الدين لن يرفعه إلا لغة (فاصفح الصفح الجميل) فهل نصدق الواعظ المأسور لعقيدة الكراهية، أم صفحات الصفح الجميل التي شهد بها القرآن الكريم؟!
حري بمن يتبع هؤلاء الكارهين أن يراجع مواقفهم، أتصدر عن خير أم شر؟! وهل تستنطق مكارم وجميل الأخلاق أم تتقلب في أتون المحارق المضادة فكرة وتأليبا وأثرة وبغيا وتشفيا وانتقاما؟ إن الطغيان والبغي إفراز عقيدة الكارهين، وليس مطلب ألح في عرفهم من حث الناس على الكراهية، وليس لزعماء الكراهية من تزود إلا باستحثاث النفوس على مزيد من الكره، بخطب تتلهب وتتعزى بعقيدة الكراهية لتقبض الضحايا، ضحية في إثر ضحية، ولا من إنكار على هذا الإسفاف المقيت، فالإنكار خاص على فئة بعينها، هكذا هو ميدان الجدال اليوم، حالك بالتعدي والبغي والطغيان.
بقي القول إن هذا الواعظ الدموي يمارس ظلماً يتجاوز رد حديث يخالف شروط المتن رده فقهاء كثر، فمن هو الذي يمارس ظلماً عظيماً إن لم يكن من يحطم صفة جليلة لنبي الله يتأسى بها الناس وتحظى بتمكين وتحقيق السلام والأمن؟! ولماذا مرت خطبته مرور الكرام وهي قمة اللؤم والتجني؟! إنه مقياس الحق عندما يرتهن للرجال!
ولأن الضد بالضد يدرك، فهذا جزء من خطبة للشيخ صالح بن حميد عن فضيلة التسامح،"والتسامح ينبت في مجتمع التسامح وبيئته لا في بيئة الاستبداد والاستكبار، سواء في ذلك البيوت والمدارس والأسواق والمكاتب، مشيراً إلى أب متسامح ومعلم متسامح ومدير متسامح وبائع متسامح ومنهج في التربية والتعليم متسامح ونشاطات في المجتمع تدعم كل متسامح. ومن أجل هذا يجب بناء منهج التربية في الأمة وسياسات إعلامها على التسامح. والتسامح طريق حياة وأسلوب عمل وغاية من غايات التربية".
بهذا المقطع ربما نفهم لماذا يصعب استنبات التسامح في بيئتنا..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.