المملكة تؤكد دعمها للجهود العالمية للتنوع الأحيائي    "سدايا" تستعد لإطلاق منافسات المرحلة النهائية ل"تحدّي علاّم"    دوري ابطال آسيا للنخبة: الاهلي يكتسح الشرطة العراقي بخماسية لهدف    جدة تشهد افتتاح الأليانس الفرنسية في حي جميل    نائب وزير البلديات والإسكان يفتتح النسخة ال 34 من معرض البناء السعودي        السعودية ومولدوفا توقعان اتفاقية لتعزيز التنسيق الثنائي    تحديد موقف رونالدو من مواجهة العين    37 ميدالية للتايكوندو السعودي    أكاديمية يلو تفتح أبوابها نحو طريقك لمستقبلك    لليوم الثاني على التوالي.. «انسجام عالمي» تفجر فرحة شعبية سعودية - يمنية    رئيس الوزراء المصري والأمير فيصل بن عياف يتفقدان الجناح السعودي في المنتدى الحضري العالمي الثاني عشر    أمير تبوك يستقبل القنصل البنجلاديشي لدى المملكة    جازان: القبض على 7 مخالفين لنظام الحدود لتهريبهم 108 كيلوغرامات من القات    مؤرخ أمريكي: هاريس ستهزم ترمب غداً    الميزانية السعودية تُسجل 309 مليارات ريال إيرادات في الربع الثالث    22732 قرارا إداريا بحق مخالفين للأنظمة    الأمين العام للتحالف الإسلامي يستقبل وزير الدفاع العراقي    تركيا: نستهدف رفع حجم التجارة مع السعودية إلى 30 مليار دولار    قائد القوات المشتركة يستقبل الشيخ السديس    موعد مباراة الهلال والإتحاد في ربع نهائي كأس الملك    نائب أمير الشرقية يستقبل مدير عام فرع وزارة التجارة بمناسبة تعيينه    إثراء يعلن عن 3 مشاريع فائزة بتحدي تنوين الكبير لإثراء تجربة الحاج    تجمع القصيم الصحي يختتم حملة التوعية بسرطان الثدي بأكثر من مليون مستفيد    «الأونروا»: كارثة في غزة        بمبادرة من السعودية.. انطلاق الأسبوع العربي في اليونسكو بباريس    أمير الشرقية يرأس الأجتماع الثامن لهيئة تطوير المنطقة    رئيس مجلس الشورى يستقبل السفير الصيني لدى المملكة    " سعود الطبية " تُجري أولى عمليات التردد الحراري لتسكين آلام الركبة    استمرار التوقعات بهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    حضور لافت للتعرف على الثقافة اليمنية في حديقة السويدي    لمن سيصوت عرب أميركا؟!بعد ان غيرت غزة مواقفهم    انطلاق مؤتمر استدامة الطرق    محمد الدعجاني رئيس نادي عكاظ ل(البلاد): نعمل على تطوير «عكاظ» إدارياً وفنياً    بدء تسجيل 87,318 قطعة عقارية في الدمام والخبر    الغربان لاتنسى الإساءة وتنقلها إلى أقاربها    «واتساب» يتيح خاصية البحث داخل القنوات    انتهاكات حقوق المستهلكين في قطاع التوصيل    دعم المواهب الفنية    خالد سعود الزيد.. عاش حياته متدثراً بالكتب والمخطوطات والتأريخ    أنتِ جميلة    فهد بن سلطان يتابع اختبارات طلاب تبوك    مقال ذو نوافذ مُطِلَّة    مسؤول عسكري يمني ل«عكاظ»: عضو مجلس القيادة طارق صالح بخير.. وإصابته طفيفة    هواتف ذكية تكشف سرطان الحلق    5 أسباب متوقعة لألم الرقبة    أحدثهم القملاس.. مشاهير أنهى مرض السكري حياتهم    لا تحرق معدتك .. كل أولاً ثم اشرب قهوتك    لمسة وفاء.. اللواء الدكتور عويد بن مهدي العنزي    القلعة تغرق في «ديربي البحر»    ما يحدث في الأنصار عبث بتاريخه !    بشرى الأمير عبدالعزيز بالسعودية النووية    الكبار يتعلمون من الصغار    مشائخ القبائل و درء سلبيات التعصب    مليونا اتصال للطوارئ الموحد    أمير منطقة تبوك يراس اجتماع لجنة الدفاع المدني الرئيسية بالمنطقة    المملكة تشارك في المنتدى الحضري العالمي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



احتجت السرعة والخفة في الرواية لأنهما تعبران بصدق عن الإيقاع الذي نعيشه
مؤلفة رواية «حافة الفضة» فاطمة عبدالحميد ل «ثقافة اليوم»:
نشر في الرياض يوم 23 - 05 - 2013

الروائية فاطمة عبدالحميد في تجربتها الأولى "حافة الفضة" تعلن عن حضور روائية تمتلك أدوات الساردة الناضجة التي تعرف كيف تسرد حكايتها بلغة سردية متقنة. وبرغم أن الرواية تطرق الجانب النفسي في أزمة البطلة فضة إلا أن المؤلفة استطاعت بنضج فني ومعرفي أن تخوض في تلك الأزمة النفسية. والرواية لا تقدم أزمة فضة بطلة الرواية في الجانب النفسي الخالص لكن مع تلك الحالة تحضر الحكايات الجانبية التي تكشف الحياة وراء الأبواب المغلقة. وفي هذا الحوار لثقافة اليوم نرصد آراء الروائية فاطمة عبدالحميد عن روايتها "حافة الفضة":
* روايتك جاءت بعنوان "حافة الفضة". ومن دلالة مفردة الحافة نستلهم أن شخصيتك الأولى في الرواية هي فتاة على حافة الحياة. لكننا عندما نتعمق في الرواية نجد ان بطلة الرواية ازمتها تكمن في حالة واحدة وهي تداعياتها الليلية. وماعدا ذلك فهي شخصية سوية. كيف ترصدين هذا التباين؟
- حسنا.. ما الذي تملكه فضة عدا حياة الليل! نهارها مكرر يرجح كفة الموت، لا الحياة ولذة التجربة، بينما ساعات الليل بدهائها وغموضها تقدمها أنثى شهية كما يليق بجمالها.. هذه الجرعة البسيطة من الوقت بالنسبة لها تعني الحياة كاملة. هي على الحافة فعلا، إذ لا يمكن أن نساوي بين نهار فضة الطويل والممل والخالي من الابتكار، وبين ليل لجين الذي يبدو قصيرا، ولكنه يحتشد بالكثير من التفاصيل المدهشة. فضة (أو دعني أقول لجين) تسكن في نهايات الأشياء.. تسكن على حافة فضة، كما تسكن على حافة الوجود بأكمله.
* بطلة الرواية تعاني من قسوة الاب الظاهرية وتعاني من قسوة الام الممزوجة بمشاعر اخرى بحيث لا نستطيع فرز تلك القسوة او حتى اننا نطلق على اسم محدد. لكن نلاحظ ان من كانت قسوتها مؤثرة على شخصية البطلة هي قسوة الأم اللامرئية. كيف تقرئين هذه الحالة؟
- التربية القاسية في حافة الفضة هي أكبر من الأم والأب معا.. صرامة القوانين التي يفرضها الأبوان وهما لا يعيان سبب فرضها بهذا الشكل. هما فقط حلقة تدور في رحى تقاليد تكبر مع البنات فقط وتتساهل مع الذكور. فضة وأخواتها في جدة ولا يعرفن البحر إلا نادرا، يرين المباني و"المولات"وواجهات المحلات لكنهن يزرنها في حراسة يحتكرها الذكور ولأمور محددة لا مجال يذكر فيها للترفيه. هن أيضا لا يزرن الصديقات ولا يسمح لغير ابنة الجيران بزيارتهن. ثم قليلا تغير الحال كمجاملة للعروس (إيمان).. بدا وكأن العائلة تخضع لقانون الطوارئ، حين استأجروا لأول مرة في تاريخ الأسرة (شاليه)أمام دهشة محرجة من الصغيرات (فرح وملاك)، وأمام عالم قد يبدو بسيطا ومعتادا للغير لكنه جديد تماما عليهن.. هن مقيدات بقوانين خفية وغير مكتوبة، ومع ذلك تظل أقوى من كل القوانين المكتوبة.. القوانين التي تتساءل عنها فضة وتقول: " من يعلم الآباء صناعة الهيبة والقوانين في البيوت؟ لِم وحدهم بإمكانهم جعل اليوم كله فسحة تهرول خارج المنزل، ولِم وحدهم يملكون حق خنق النهارات من أولها؟"
حتى حين أُصيب رأس فضة بالتقرحات، كانت تقف مع إخوتها ضد نفسها وتتندر على ألمها، لم تسجل اعتراضا، ولم تحتج ولو لمرة واحدة. هي الواقفة دائما إلى جوار والدتها تربي بقية أخواتها، ومع ذلك تُركت منسية مرتين في يوم واحد، مرة مع رائحة تمقتها، ومرة مع صدمة شعرها المحروق ! لم يكبر في داخلها الرفض إلا حين قوبل إصغاؤها وطاعتها لأمها بالإهمال.. هنا كان يمكن أن تكون فضة أو سواها.. من سيكترث حينها؟!
* بين روايتك والفيلم المصري بئر الحرمان تقاطع وتشابه بين حالتي بطلة روايتك وبطلة الفيلم. وهي حالة الانفصام والعبث الليلي. هل شعرتِ بهذا التقاطع بين روايتك والفيلم؟
- اسمح لي أن أختلف معك هنا قليلا، فبئر الحرمان حياة حقيقية تعاش ليلا لردة فعل البطلة على حياة حرمان عاشتها والدتها، تسمي نفسها باسم أمها وتلهو في حياة صاخبة، وليست ردة فعل لألم شخصي مسها هي بالذات، بعكس فضة التي لا تثأر لأحد، بقدر ما تتمرد على أرض ضيقة، وتنتقم لجمال جائع للمديح. هي لا تحب اسمها الخام ولا عمتها البائسة التي سُميت باسمها، هي تهرب من الشبه، فتنصهر في لجين، وتعوض عن شعرها المسلوب، والذي كان يفترض أن يكون جميلا، بشعر مستعار.. تعوض عن فتنتها الضائعة في ملابس فضفاضة، بحياة تَسمعها وتَراها كما تُريد هي أن تُسمع وتُرى، لا كما يُفرض عليها داخل أسرتها.
* برغم حجم الرواية الصغير إلا انها كانت تحتشد بالكثير من الشخصيات – الا تعتقدين ان بعض الشخصيات وخصوصا اخوات البطلة كانوا في حالة واحدة متشابهة ولم تسمح لهم مساحة السرد ان تخلق تلك المغايرة بين تلك الشخصيات؟
- رواية من 188 صفحة ليست صغيرة جدا على كل حال. ما أردت أن أقوله قلته، ولم أهتم بالرقم إلا حين بدأت في صفها ومراجعتها. تعمدت أن أجعل الاختلاف واضحا بين الإخوة الذكور، فالطبيعي إذ كانت لك حياة حقيقية وأصدقاء ومساحة حرية، فستختلف وستستقل شخصيتك وتتشكل، أما الأخوات فما من مبرر لهذا الاختلاف، فلمَ عساني أنوع بينهن ونفس التدجين يمارس عليهن ! تتسلط عليهن نفس القوانين، وتراقبهن ذات الأعين، وما يبرز يتم جزه سريعا ! لم أجد داعٍ لترك اختلاف يذكر عدا أن تكون شخصية إحداهن أقوى قليلا، أو صوتها أحد،أو أن أخرى لها يدٌ تتقن الرسم بالفطرة، وصغيرتين تختلفان جسمانيا أو في بعض طرق لعبهما.. بمعنى: أشياء لا تُهم كثيرا عند الأسرة، ولا يحرص أحد على أن تنمى أو تندثر.
* إيقاع الرواية كان سريعا جدا والجمل كانت قصيرة. والحوار كان أيضا يأخذ طابع الخفة العميقة. هذا التكنيك السردي هل هو في رأيك المناسب لعوالم روايتك؟
- احتجت السرعة والخفة لأنهما تعبران بصدق عن الإيقاع الذي نعيشه، وسبرت العمق لأن الألم عتيق ويتغلغل بعيدا، وكلتاهما (الخفة والعمق ) يكسران الرتابة خارج مملكة الرواية التقليدية. أتمنى أن يكون النجاح قد حالفني ولو قليلا هنا.
* الحس الساخر المعلن أحيانا في الرواية احيانا والمخبأ احيانا في بعض المشهد تحت ظلال الموقف. هذا الحس الساخر أحدث مفارقة بين مرارة الالم وتلك السردية الساخرة. فلم نجد البطلة تحكي بدراما مفتعلة او بحزن مبالغ فيه – بل كانت رشيقة في سردها ورؤيتها لما حدث. استخدام هذه الحالة الساخرة هل كان عفويا ام هو متعمد لإحداث حالة من المفارقة؟
- في أكثر الأماكن بؤسا ستجد النكتة والروح الساخرة.. في الزنازين والأحياء المعدمة سترى النكتة اللاذعة تتسلق الجدران الباهتة، وتتأرجح على حبال الغسيل. السخرية طوق نجاة لمن يفتش كثيرا عن نفسه خارج الواقع.
* الرواية النفسية ليس لها حضور في مشهدنا الروائي وروايتك تنحاز الى هذا الجانب النفسي – ولاحظت ان هناك استخدام لمصطلحات الطب النفسي وايضا في الحوار بين البطلة والطبيب كان اتقان في الحوار بين الطرفين – كيف رؤيتك لهذا الجانب النفسي في الرواية؟
- حاولت ألا أغرق في المصطلحات النفسية والطبية كثيرا، وإن بدا أنني توغلت.. أردت أن أكتب شيئا صغيرا على ورقة، بينما كفي تمسك وجه القارئ بلطف، وتديره لجهة ثانية.. لخط عريض ليس صدفة أنه مكتوب على الحائط. أردت أن يُرى الأب الصارم وهو يمزح ويطلق النكتة البذيئة ويمتطي ظهر صاحبه..
أن تُرى الأم وهي تحكم على المطلقة مرة بأنها مدينة من الجوع ستسد فوهتها بأي طريقة، ومرة بأنها كزهرة ياسمين، تكسرها حتى قطرات المطر !
أن يُرى عبدالله وهو يهرس الدمى اللطيفة ويهدم ألعاب أخواته، بينما يهمس بكلام الحب الرقيق في الهاتف ويغازل خطيبته..
كيف يصير بوسع معاذ أن يسمى شاعرا مثلا، بينما قلبه قصيٌ ولا يفهم المجاز حتى!
كيف يطلق الشيخ دعابة قاسية تتعلق بسذاجة العمالة الوافدة، وفي ذات الوقت يلقن كومار الشهادة، ويختار له اسما جديدا لم تناده أمه به يوما..
هذا كان عالمي في حافة الفضة، ولم تكن فضة إلا باباً أطلقتُ سراحه من بين الجدران. فضة أمام مرآة تعكس وجهها.. هذا صحيح، لكن خلفها تقف الكثير من الوجوه المتشظية، التي تتبدل طوال الوقت.. يقف مجتمع بأكمله.
* الروايات غالبا ما تستحضر صورة الطبيب النفسي اما في حالة من السخرية او رسمه في صورة المستغل، في روايتك خروج عن هذا النمط المكرر– فالبطلة بدأت بالسخرية من البطل لكنها بعد ذلك تجاوبت مع جديته في العلاج. هذا النموذج المبتكر كيف تم صياغته في روايتك؟
- لأننا نسخر دائما من الجديد المختلف، ونقفُ قضاة حيال من لا نعرفه.. فضة لم تتعود أن يُصغي إليها، أن تُسمع وتُجادل، أن يُخفض رأس أمامها ليتسنى لدموعها العبور بأمان، ألا ترصدها كلمة عيب وحرام وسيل من المتناقضات..
في البدء سخرت مما لا تعرف، ثم رضخت مستسلمة لمن أصغى إليها، ومنحها وقته وخبرته ومعرفته، ليسلحها لمعركة المستقبل.
* كان التشويق حاضرا في معرفة أسرار العبث الليلي لفضة ولكن وجدنا أن الساردة تطرح التحرش في طفولتها هو سبب ذلك العبث أليس هذه حالة كلاسيكية في توصيف أزمة فضة؟
- تمنيت أن ارتجل لكن لا مجال للارتجال، فأنا أكتب عن حالة معروفة علميا، وإن كانت ليست شائعة، لكنها مصنفة بين المدارس النفسية بالاستناد إلى البحوث المكثفة ودراسات الحالات السريرية ب" Dissociative Identity Disorder" وهذه الدراسات تحصي عدد الحالات التي شُخصت وتقدر أن: ما بين 85% إلى 97% تعود أسبابها إلى صدمة التحرش الجنسي والاستغلال الجسدي لهؤلاء الأطفال، بالإضافة للقهر والقمع المصاحب لهذا الاعتداء. ونادرا جدا ما يكون السبب قد حدث في مرحلة متقدمة كسن النضج مثلا، لأن الكبير يعرف كيف ينفس عن مشاعر غضبه وقهره، بخلاف الطفل. والصدمة عادة ما تكون صدمة اعتداء جنسي، لزم الطفل حيالها الصمت، وتحمل الضغط، لأنه ببساطة كان يجهل كيف تكون مقاومة هذه الآلام، أو خاف من المعتدي أو أو.. وكوسيلة لتعطيل الذكريات المؤلمة والتوتر الناجم عنها، يبرر المريض في اللاوعي، هذا الألم بخلق شخصية بديلة أو أكثر تقوم بمساعدته على التأقلم بإنكار و مكر، وبحيث لا يعلم هو أساسا عن هذا التعدد فيه. هذا ما حدث مع فضة حين اُستغلت من قبل خالها عن طريق لعبة هو اخترعها، ثم نتيجة لتراكمات نفسية وقهر وصمت عانته طوال فترة طفولتها، بالإضافة لكل ما صاحب مراحل حياتها وبلوغها وما تشبث بذاكرتها من ذكريات ومواقف قاسية دون سواها، جعل منها شخصية متهيئة وجاهزة للعطب.
* شخصية إيمان برغم حضورها المحدود في النص الا انها كانت اكثر وضوحا من الأخوات.وكذلك شخصية عبدالله كان أكثر عمقا من أخوته الذكور – هذا يقودني الى سؤال – هل كانت لديك انحياز او محبة في كتابة بعض شخصيات رواياتك؟
- إيمان عروس صغيرة، فالقارئ إلى حد ما سيكمل بمفرده الصورة لامرأة طيعة ولينة وجاهزة للتشكيل من قبل زوجها. لذا لم أُسرف في الكلام عنها لأنها شخصية مألوفة وواضحة جدا بدون جهد الخلق مني، وبقليل من التركيز سيسهل العثور في الذاكرة الواقعية عمن يشبهها فيمن حولنا، أما عبدالله فهو الابن البكرالذي يشكل موقعه (منصبا فطريا) يأتي مع صلاحيات مطلقة للتدخل في أدق شؤون الأسرة والأخوات تحديدا، لذا لا جهد مبذول في شخصيته هو أيضا، فهو قالب جاهز وواضح وقابل للتكرار في أكثر الأسر التقليدية على الأغلب، لذا فهاتان الشخصيتان أكثر وضوحا لأنهما الأكثر انتشارا بيننا وليس لأنني تعمدت هذا لهما.
أما بخصوص الحب والانحياز.. كتبتها ونفس المسافة ورغبة الحياد تفصلني عنهم جميعا بنفس القدر، ثم قرأتها في نسخة تجريبية وأنا فاطمة أخرى، فشممت فيهم رائحة الورق وأحببت بعضهم كما نحب عادةً بعض الشخصيات الروائية التي نقرأ، ونتناقش حولها بشغف وحب وكره أحيانا.. لكنني الآن وبعد أن طُبعت أتصرف معها كالطبيب الذي يُحرّم عليه دخول غرفة العمليات لقريب له، كي لا تؤثر عواطفه في قرارات ومجريات الجراحة !
* النهاية كانت مؤلمة - الألم أن أزمة فضة لم تنته وان زواجها وسفرها إلى الخارج ليس هو الحل. فما زالت تعاني من أوهامها. هل هذا يعاني انحيازك بأن الرواية توصف الأزمة ولكن لا توجد حلول لتلك الأزمة التي عانتها فضة ومن هم حولها؟
- أعود لعلم النفس هنا أيضا، فالحالة التي يرمز لها الطب والدكتور سعد بال (DID) ليست حالة يسهل تشخيصها، كما أنها ليست حالة يسهل التعافي منها. أنت تتعامل في العلاج مع العقل البشري الخارق، مع ذكريات في جذور اللاوعي والعقل الباطن، وهي تستغرق سنوات ليتحرر المريض منها، تسبقها خطوة أولى وقوية وهي رغبته هو أساسا في التعافي، وتجاوز آلامه ومحاولة التخلص من تلك الشخصيات البديلة، باتباع خطة علاج معرفي سلوكي وبالتنويم والعقاقير، وكل هذا مع طبيب لديه مرونة وعزيمة لإنجاز خطة العلاج كاملة، ولإعادة توجيه وربط هويات قوية و متباينة، في هوية واحدة لشخص واحد.
لذا كان على النهاية أن تكون مكتوبة على النهد الأيسر ل (فضة/ لجين) أي مساحة بيضاء في متناول كفها الأيمن، تدون فيها اسما أو قلبا يخترقه سهم أو ما تريد، فهكذا تفكر لجين الجامحة، أما فضة التقليدية فتعرف أن العلاج يحتاج مكاشفة مع الزوج، وهو ما لم تتربى عليه في فقه الأسرة، لذا تقرر أنها ليست جاهزة لهذا الاعتراف، فالمكاشفة التي اقترح طبيبها أن تؤجلها قليلا فقط، إلى حين تتوثق معرفة محمد بها، لأن فترة خطبتهما كانت قصيرة جدا، تنوي هي أن تؤجلها إلى حين تستطيع تقييد محمد بقلادة من الأطفال، ربما تجعله يفكر مليا قبل أن يُعيدها إلى أهلها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.