المدرسة هي أهم المحاضن للنشء، وعليها أن تربي تلاميذها داخل مجتمعها الصغير تربية سليمة، تقدح زناد فكرهم، وتشعل في نفوسهم جذوة الشوق للتعلم من أجل الارتقاء بحياتهم كتب الأستاذ عبد الرحيم الميرابي في جريدة الشرق يوم الأربعاء الموافق الخامس من رجب 1434ه الموافق الخامس عشر من مايو 2013م العدد رقم (528) مقالة بعنوان: (التعليم قبل التربية والمعارف أشملُ). والحق أن هذا الكاتب لمس أمراً كان ولا يزال محور اهتمامي؛ وحين تشرفت بالعمل وزيراً للمعارف في عام 1416ه كان من أهم الموضوعات التي تقدمت بها إلى مجلس الوزراء هو تغيير اسم الوزارة لتكون (وزارة التربية)، وذلك في الأشهر الأولى من عملي هذا، وقد رأى مجلس الوزراء في حينه وجاهة ودقة هذا الاسم لأسباب ذكرتها، وقد أرجئت الموافقة على هذا لظروف لها علاقة بالوضع المالي للدولة - آنذاك -. والحمد لله أنه في النهاية تمت الموافقة على ما رأيته وأنا على رأس العمل، غير أن كلمة التعليم أضيفت إلى التربية ليصبح اسم الوزارة (التربية والتعليم). لقد أضيفت كلمة التعليم مع التربية تحسباً لشمول الوزارة للتعليم العالي أيضاً، ولو تم هذا فستكون مسمى الوزارة (وزارة التربية والتعليم العالي). لقد وضحتُ ضمن ما كتبته أن التسمية للشيء مظهر له، والمظهر عنوان على الجوهر؛ وقد جاء تغيير اسم الوزارة ليكون أكثر دلالة وأوسع شمولاً على حقيقتها ورسالتها، وأشد إبرازاً لوظيفتها، والتربية هي ما تسعى الوزارة إليه حينما تحتضن في مدارسها المتعددة هؤلاء النشء، والتعليم ليس الهدف المحدد في ذاته، وإنما هو وسيلة مهمة لتربية متميزة متكاملة. هذا.. وإن أنواع المعرفة يمكن للإنسان في هذا العصر الحصول عليها دون مدرسة بل صارت أيسر وأرحب من أوعية متعددة هيأها تطور التقنية والاتصالات بلمس زر أو تحريك لمفتاح؛ من هنا صار دور التعليم العام الذي يسبق المرحلة الجامعية تحقيق التربية التي ينشدها المجتمع لأبنائه وهي في بلادنا مستقاة جملة وتفصيلاً من الدين الإسلامي الحنيف في أصوله وفروعه - لذا فهي تسعى لإعداد المسلم الصالح والمواطن المخلص النافع - ولا قيمة لعلم يعرفه إنسان وهو لا يتأثر به، ولنضرب مثلاً على ذلك : لو أن شخصاً تعلم قواعد اللغة العربية وأتقنها ولكنه لا يُحسن الحديث أو الكتابة بها على وجه صحيح لما كانت هناك فائدة لما تعلمه منها. ولأن واجبنا في بلادنا الغالية أن نأخذ بأسباب القوة دائماً وأن نزاحم الأمم بالمناكب وعلى الأخص في هذه الحقبة التي يعيشها العالم اليوم فإننا مطالبون بأن نربي أبناءنا حتى يستوعبوا أركان القوة التي تأتي حسب الترتيب الآتي: عقيدة صحيحة راسخة، خلق قويم، تعاون وتآزر نعزز ذلك بامتلاك ناصية العلم والتقنية. مدرسة اليوم تواجه تحديات لم تكن تعرفها مدرسة الأمس، فهي بعد الأسرة أهم مؤسسة تربوية في تحقيق الغايات المشار إليها آنفاً. المدرسة هي أهم المحاضن للنشء، وعليها أن تربي تلاميذها داخل مجتمعها الصغير تربية سليمة، تقدح زناد فكرهم، وتشعل في نفوسهم جذوة الشوق للتعلم من أجل الارتقاء بحياتهم. عليها أن تفجر مواهبهم، وتربيهم على أدب الحوار، وفقه الاختلاف، واحترام آراء الآخرين.. المدرسة مطالبة بأن تكون جاذبة غير نابذة، مغرية غير منفرة، مقربة غير مبعدة. إن أهم المآخذ على حشد العلوم في عقول طلابنا اليوم هو أنهم مع ملء عقولهم بهذا العلم بعضهم غير متمسك بقيم التربية السليمة وأخلاقياتها، ويغيب عن ذهن كثير من المعلمين الغرض الرئيسي من العلوم التي يعلمونها لتلاميذهم، وهو الإسهام في غرس سلوك أخلاقي راقٍ، إنه مما يجيء في دعائنا (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع)،، وقد قال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود ما معناه (كنا نتعلم العشر آيات من القرآن ولا نتجاوزها حتى نفهمها ونعمل بموجبها). وأخيراً... فإن الكاتب الميرابي ادّعى أننا في المملكة العربية السعودية مقلدون، وأن إخوتنا المصريين هم الذين جاءوا باسم (المعارف) في المقام الأول ثم هم جاءوا بالاسم الأخير (التربية والتعليم) وأن المصريين اعتمدوا في هذا على كلمة إنجليزية - وهذا ادعاء غير صحيح، فقد كان هناك إجماع لوزراء التربية والتعليم العرب في مؤتمرهم منذ ما يزيد على أربعين عاماً في إطار المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم عقد في (طرابلس الغرب) على أن يكون اسم الوزارة (وزارة التربية) وقد جاء هذا بعد دراسات كثيرة تحقيقاً لحقيقة وظيفة المدرسة ورسالتها. أما التعليم الجامعي فهو تخصصات متنوعة لمختلف العلوم الإنسانية والتطبيقية والطبيعية، والمراد من تحصيل العلم في أي تخصص هو تخريج خبراء كل في تخصصه يعمل في مجاله، ويطور العلم الذي تخصص فيه بعد الافتراض أنه تربى سلوكاً وأخلاقاً في مدارس التعليم العام قبل أن يأتي إلى الجامعة. وفقنا الله جميعًا إلى الخير والصواب والأخذ بأسباب القوة مهما غلا ثمنها، اللهم اجعل صدورنا سليمة معافاة، وأمدنا يا ربنا بتأييد من عندك وتسديد.