استئنافاً لحديثي عن التربية والتعليم وأركانها التي بني عليها في كل وطن من أوطان المعمورة حسب طبيعة ذلك الوطن عقيدة، وحضارة، وبيئة، ولغة، وثقافة - بمعنى أن أركان التربية في بلاد كالصين التي أنا حديث العهد بها - بعد زيارتي الأخيرة لها - تختلف عن أركان التربية في بلادنا العربية عامة - والمملكة العربية السعودية خاصة حاضنة الحرمين الشريفين - أقدس الأماكن، وخدماتها أعظم الخدمات وأجلها - وهي موطن ونشأة وازدهار اللغة العربية التي هي لغة الكتاب الأعظم (القرآن الكريم). إن التغيّر هو سنة الحياة، لذا فالجميع مطالبون بالاستمرار في تطوير البرامج والمناهج، والوسائل والمباني، والتجهيزات، وكلها أمور ضرورية لا يستغنى عن أحدها * * * لذا.. فإن من أهم أركان تربيتنا وتعليمنا: اللغة العربية المجيدة، ولا أجد عذراً - كائناً من كان - في أن تكون مناهجنا - أو طرق تدريسنا لهذه اللغة العبقرية متخلفةً عن تحقيق مقصادنا. إن قرآننا عربي، ورسولنا الأكرم - صلى الله عليه وسلم - عربي، وإن من أجلّ نعم الله علينا أن لساننا عربي: نعمة لم نبذل أي جهد في تحصيلها، فلماذا لا نؤدي حقها من الشكر بحسن رعايتها، والعناية بها: تعلماً، وتعليماً، وحديثاً، وكتابة، تذوقاً لذخائرها المكنونة، وروائعها المصونة؟! فلنبذل الجهد كله في تطوير أساليبنا، وتحبيب ناشئتنا بلغة القرآن، لتستقيم بها ألسنتهم وأقلامهم، وتصقل بها عقولهم وملكات تفكيرهم، فقد قال العالمون: إن اللغة للتفكير كالأرقام للحساب، فكما أنه لا يمكن أن نتصور عملية حسابية دون أرقام، كذلك لا يمكننا أن نتصور أفكاراً دون لغة. * * * إنه لا بد في تربية المواطن الصالح الذي نسعى لإعداده من أن يُغرس في قلبه حبّ وطنه، ومعرفته لمكانته وإمكاناته، ولتاريخه، وحاضره، واستشرافه لمستقبله، وهذه أمور يجب أن تبنى على العلم لا على الدعاوى والأماني، وإن من أهم ما يبعث روح القوة في نفوس ناشئتنا استشعارهم أنهم جزء من وطنهم العربي، وأنهم يشرفون بخدمة أطهر البقاع التي تهفو إليها أفئدة ملايينها. * * * إن واجبنا أن نأخذ بأسباب القوة دائماً، وأن نزاحم الدنيا بالمناكب، وعلى الأخص في هذه الحقبة التي يعيشها العالم اليوم، وأهم أركان القوة - في نظري - هي على الترتيب الآتي: العقيدة الصحيحة، الخلق القويم، التعاون والتآزر، وبهذا كله نعزز امتلاك ناصبة العلم والتقانة، ونركز عليهما في برامج تعليمنا ومناهجه، متابعين لكل جديد فيهما، لأنهما أهم أركان القوة المادية التي نحن مطالبون بإعدادها. * * * إن مدرسة اليوم تواجه تحديات ما كانت تعرفها (مدرسة الأمس)، وهي - بعد الأسرة - أهمّ المؤسسات قاطبة في تحقيق الغايات التي أشرنا إلى بعضها، وركن المدرسة الركين: مديرها ومعلموها: أما المدير فهو قائد السفينة، والمشرف التربوي المقيم فيها.. أما المعلمون فهم الذين يصنعون - بتوفيق الله - من الخامات المتاحة النابهين، والنابغين، والمتميزين، بل يصنعون مستقبل الأمة كلها بعون الله، فلننظر إلى واقعنا: لإصلاح ما يمكن إصلاحه، وإرشاد من يحتاج من المربين إلى إرشاد، وتدريب من يحتاج إلى تدريب، والأخذ بيد المجيدين ليعطوا المزيد، واستبعاد من تقتضي المصلحة استبعاده، ومراقبة الله أولاً، ابتغاء خير الناشئة، وتطبيق المعايير الموضوعية العلمية دون تأثر بالعواطف والمجاملات. * * * ولأن المدرسة هي الحضن الأهم للشباب، لذا يجب التأكد من أنها تربي الطالب داخل (مجتمعها الصغير) تربية سليمة: تقدح زناد فكره، وتشعل في نفسه جذوة الشوق للمعرفة، وتفجر مواهبه، وتعلمه أدب الحوار، وفقه الاختلاف، واحترام آراء الآخرين، فهي مطالبة أن تكون دائماً جاذبة غير نابذة، مغرية غير منفرة، مقربة غير مبعدة. * * * ومما يساعد على تحقيق الغايات أن تسود بين العاملين - في أماكن العمل وخارجها - أجواء الأخوة والتوادد، والعمل بروح الفريق. إن ما يسمى «البيروقراطية» هو عندي أشبه ما يكون بحبل ممدود، فإنسان يأخذه ويقيد به نفسه أو غيره، فيعوق حركته، ويعطل مصلحته، وآخر يشده ويتسلق عليه نحو ما يريد الوصول إليه. * * * من المهم جداً أن يتصف الجميع بالشفافية والصفاء، فلا يظهر أحد خلاف ما يبطن، ولا يتكتم ما ينبغي أن يعلن، ذلك أن حرية التعبير عن الرأي كفولة للجميع، وليس من واجب أحد أن يقتنع برأي رئيسه في العمل إذا رأى فيه مخالفة للصواب، وصالح العمل، وعليه إبداء ما يراه من تصويب لذلك دون حرج. * * * ومناقشة الأمور تكون طلباً للحقيقة لا ابتغاء للغلبة، وبعد أن يدلي كل واحد بحجته، ويتخذ القرار وفق رأي الأغبية المبني على الحجة المقنعة فلا بد من تنفيذ ذلك القرار، حتى من قبل المعارضين له، وهذا يتيح لكل صاحب اقتراح أن يطرحه، ولكل من عنده فكرة رائدة أن يبديها، ولكل مبدع أن يعرض إبداعه، والمجموعة تأخذ من كل شيء أحسنه. وأوصى الجميع ألاّ يحملوا ما يقوله الآخرون معاني بعيدة، لأن أقوالهم تخالف رأيهم واقتناعهم، فيسيئوا الظن بهم، فهذا - بقصد أو دون قصد - محققا قول أبي الطيب المتنبي: إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدق ما يعتاده من توهم * * * والبذرة الأولى لتربية كامنة في «التعليم قبل المدرسي»، لذا يجب بذل غاية الجهد لتنفيذ قرار اللجنة العليا لسياسة التعليم الذي توج بموافقة المقام السامي بجعل رياض الأطفال مسؤولية وزارة التربية والتعليم، وتعميمها في جميع أنحاء المملكة، وجعلها متاحة للأطفال كافة. * * * إن التغيّر هو سنة الحياة، لذا فالجميع مطالبون بالاستمرار في تطوير البرامج والمناهج، والوسائل والمباني، والتجهيزات، وكلها أمور ضرورية لا يستغنى عن أحدها. * * * أما المسؤولون في الأجهزة المركزية فهم إلى جانب التخطيط والتوجيه لمن هم في الميدان من: الطلاب والمعلمين والمديرين وسواهم... لا بد لهم من الصلة المستمرة بهم، وتلقي المعلومات والخبرات، والاستجابات، والآراء، والاقتراحات منهم، وتحليلها، والاستفادة منها، لأن الجميع في نهاية المطاف - يعملون لمصلحتهم وفي خدمتهم. وفقنا الله جميعاً إلى الخير والصواب والأخذ بأسباب القوة مهما غلا ثمنها، اللهم اجعل صدورنا سليمة معافاة، وأمدنا يا ربنا بتأييد من عندك وتسديد.