غنيٌ عن القول إن المولود الجديد الذي ولد قبل عقد من الزمان وترعرع في أحضان الصناعة النفطية أصبح الآن فتىً يافعاً مما أجبر الكثير ممن صمّوا آذانهم سابقاً عن سماع صراخه وأشاحوا بأعينهم عن رؤيته أن يعترفوا بحقيقة وجوده فضلاً عن إثارة فضولهم لمعرفة المزيد عن ماهيته0إنه المولود الذي غيّر وجه صناعة النفط والغاز وخطف الأضواء كما أنظار كثير من الخبراء في وقت كان التركيز على إيجاد مصادر طاقة بديلة للزيت والغاز أو النفط الإحفوري وهو ما كان يُعتقد انه في طريقه للنضوب. إنه النفط غير القليدي, وأياً كان المسمى سواء السجيل أو النفط الصخري أو النفط غير الاعتيادي فهو المصدر الذي قلب موازيين الإنتاج في أمريكا الشمالية، وهو الذي منح الولاياتالمتحدة القدرة على أن تتحدث علناً عن خططها للاكتفاء الذاتي وأيضاً الاستغناء عن نفط الشرق الأوسط وبعض دول أمريكا اللاتينية. لقد كان هذ المصدر لسنوات عديدة مضت أشبه بالصندوق المقفل والمحُكم إغلاقاً لا يمكن الوصول اليه بطريقة تجارية تضمن العوائد الاقتصادية المتوخاة من إنتاجه والسبب هو جيولوجي وتقني بامتياز، فتركيبته الجيولوجية تختلف عن النفط التقليدي حيث أماكن تواجده وسط صخور ذات نفاذية قليلة جداً وحيث القنوات غير متصلة ومترابطة بطريقة تضمن نقله الى فتحة فوهة البئر ومنها الى السطح. أما وقد توفرت التكنولوجيا الحديثة فإنها أصبحت الآن قادرة على فك أقفال هذه الصناديق او الصخور المصمتة ليفتح بذلك عصراً جديداً في عالم الصناعة النفطية، وأن كنا قد ذكرنا السبب الجيولوجي وراء خلق تعقيدات وصعوبة الوصول إليه فإن علينا أن نذكر السبب التقني الذي سمح لنا التغلب على هذه الصعوبات الا وهو تقنية التكسير الهيدروليكي حيث ضخ كميات هائلة من السؤال والمواد الكيميائية ليتم كسر الصخور بقوة ضغط جبارة تسمح لإنسياب الزيت او الغاز من خلال حبيبات رملية اصطناعية ذات مسامية ونفاذية عالية تتمتع بقنوات متصلة تحل محل الجزء المكسور، كما أن تقنية الحفر الأفقي سمحت بخلق استيعاب الحد الأقصى من الإنتاج. لقد أُتيحت لي فرصة العمل ودراسة خصائص الزيت والغاز غير التقليدي والانخراط في العمليات الأرضية في حقول الولاياتالمتحدة لاستخراج هذا المنتج النفطي الجديد كما في مركز دراسات وأبحاث متقدمة متخصصة في هذا الشأن وأستطيع القول إنه مشروع واعد رغم الجدل الكبير الذي اختلط فيه النفط بالسياسة. في السعودية حيث الحقول التقليدية النابضة بالحياة أعلنت أرامكو السعودية العام الفائت بانها قامت بأول غزواتها في هذا الاتجاه وأتت المؤشرات الإيجابية مبشرة ومعززة ً الثقة بالوغول أكثر في هذ المشروع، كما تشجعت الكويت وعمان والجزائر لخوض غمار هذه المعركة وطلب التسلح بالتكنولوجيا الآنفة الذكر للانضمام إلى ملاك هذه الثروات من النفط الغير تقليدي. ورغم حجم المكامن في الدول آنفة الذكر إلا أن الصين كقوة قادمة تحشد كل الإمكانات للوصول إلى مخزونها الهائل من النفط غير التقليدي. إن الجدل الذي أثاره هذا المصدر منبعه التسابق المحموم للوصول إلى هذه الثروة الجديدة في ظل وصول التكنولوجيا إلى مستويات تسمح بفك شفرات هذه المكامن التي رُكنت لعقود لكن عدم توفر هذه التكنولوجيا المتقدمة كما أن دولاً عديدة تسعى قدماً للاستقلال عن المنتجين التقليدين للنفط التقليدي. بقى أن أقول إنه رغم الزخم الكبير الذي أحدثه هذا الوليد الجديد إلا هناك أيضا إشارات تلوح في الأفق مبشرة بقدوم منتج ثوري قادم لا يقل أهمية عن ما سبقه، فهاهي اليابان تعلن للملأ عن اختراعها المذهل في وصولها إلى الغاز الجليدي القابل للاحتراق أو ما أحب شخصيا أن أطلق عليه الجليد المتوهج. * خبير بالشؤون والاستراتيجيات النفطية الولاياتالمتحدة – هيوستن