لو أمعنت النظر وقمت بعمل مسح أو إحصائية للمشكلات التي تحدث بالأسرة فإنك حتماً ستندهش وستجد أن مسبباتها تافهة ولا تستحق كل هذا العناء (شيل وحط) وكلمة من هنا وكلمة من هناك، والسبب أن المرأة نسيت امراً ما أو الرجل ما رد على الجوال وعلى هذا المنوال من أسباب لا يمكن أن ترقى إلى مستوى الإزعاج فضلاً عن افتعال المشاكل، وكون الأخطاء تحدث فهذا أمر طبيعي بل إن غير الطبيعي هو عدم حدوثها، ولو أن جهازاً موضوعاً داخل البيت لرصد الأخطاء لوجدت نسبة الأخطاء من الزوجة تساوي نسبة الأخطاء من الزوج وكلها كما أسلفت تجدها أخطاء صغيرة تافهة لا تستحق الذكر، العشرة الزوجية تدمج هذه الزلات وتحيلها إلى ركام لأن منسوب الاحترام الذي يفيض من خلق الزوج والزوجة لا يلبث أن يعكس هذه الزلات البسيطة ويجيرها لصالح الأسرة التي يزيد استقرارها يوما بعد يوم، وكلما طالت العشرة مهدت الطريق لعبور الطموح والاطمئنان وساهمت في تحقيق الآمال والمزيد من الاستقرار وحماية مستقبل الأبناء، وإلا فكيف يستشرف الأبناء المستقبل والنجاح وهم يعيشون في وسط ملاسنات حادة أشبه ببعض البرامج الفضائية، إن تجريح الزوج لزوجته وتجريح الزوجة لزوجها تجريح بالدرجة الأولى لأبنائهم وتحطيمهم نفسياً، فإذا كانت النتيجة صفراً على الشمال في البيت فإنها في المدرسة ستكون صفر بحجم رأس الابن وفاقد الشيء لا يعطيه، إذ كيف تريد منه أن ينجح وهو يرى البيت عن بكرة أبيه منقلباً رأساً على عقب؟ إن من أهم عوامل نجاح الطلاب وتفوقهم في مدارسهم هو وجود البيئة الملائمة المستقرة، ولا أخفيكم سراً فإن الصغار ومشاكلهم ترفع ضغط القدر الكاتم وفي مقابل ذلك فإن المتعة في وجودهم مع بلاويهم الزرقاء أو الحمراء لا تضاهيها متعة. توفير مساحة من الانسجام بين أفراد الأسرة سينعكس على التوافق ومن ثم تحقيق الأهداف النبيلة التي تسعي المجتمعات المتحضرة والراقية الي بلوغها وتحقيق هذا الأمر منوط كما اسلفت بالأسرة الصغيرة وهي محور الحديث، ان من أبرز عوامل التحقيق إن لم يكن الأبرز هو عامل الشفافية إذ ان الصراحة، والوضوح سيسهمان في بسط الآراء وتداولها بين الأفراد بشكل مرن وعلى ضوئهما يتم التصويب، بإقناع ينم عن إدراك واسع وبأساليب لينة تصل القلوب قبل العقول، فالقلب يحتضن العاطفة والعقل يحتضن الفكر والأسرة بطبيعتها متعاطفة فالأب يحب ابنه أو ابنته والأم كذلك، والأبناء يساورهم نفس الشعور تجاه آبائهم وأمهاتهم، غير أن للأبناء عقولاً تفكر والمقاربة بين مايقبله العقل ويقره والقلب يكمن في المحتوي والصيغة، فالأب سيصل الى عقل ابنه عن طريق القلب وكلما زاد الصدر اتساعاً كان القلب ليناً مطواعاً في التقبل، وكلما ضاق كان ذلك سبباً في الابتعاد والنفور مضموناً لا شكلاً وهذا بيت القصيد أي انه حاضر بقلبه فقط، وعقله يحلِّق خارج المدار لأن ضيق الصدر أدى إلى تضييق المداخل المراد عبورها وتسبب في عسر التواصل وبالتالي الخروج من الدائرة التي حددها الأب وفقاً لمنطلقاته، في حين أن خروج الابن من دائرة الأسرة الصغيرة يعني خروجاً عن الأسرة الكبيرة، وهكذا تخسر المجتمعات بعضاً من أبنائها، نتيجة لتعثر التواصل بين الأطراف كما أسلفت وغياب التهيئة المناسبة لينحي الاعتبار المفقود في هذه المعادلة بالقناعة جانباً لتتسع الهوة ويتخذ بعد المسافة وضعا أقرب الى التناقض منه الى التوافق، في حين أن بعض الأبناء ووفقاً للصيغة آنفة الذكر يعيشون في حالة تناقض دائم، وانفصام يعزز من تكريسه تشدد الأب وتساهل الأم، وهذه إحدى المعضلات التى مافتئت تنتج أجيالاً مهزوزة نتيجة لهذا التباين بين شخصية الأب من جهة والأم من جهة أخرى ولاشك ان هذا الأمر سينعكس على شخصية الابن أو البنت الواقعين تحت مطرقة انتفاء الانسجام بين الأم والأب وسندان المجتمع الذي بطبيعة الحال لايقبل المخالفات، إن من أشد الأمور قسوة وأكثرها إيلاماً حينما تسهم الأم في تمرير التجاوز من أبنائها سراً خوفاً من سطوة الأب المتشدد الذي بات صدره ضيقاً الى الدرجة التي آلت إليه النتائج وعلى غير ما يُتمنى، إن التأسيس للتواصل بين الأب والأم من الأهمية بمكان ويتأتى ذلك، عبر النقاش الذي يغلفه الهدوء وتغشاه السكينة، لتتمكن الصراحة من بسط دورها على النحو المرضي، وأن تؤخذ الأمور بهدوء وروية وقبول آراء الأبناء والبنات بأريحية لما للاعتبار من مكانة في النفوس، وإذا مكنت الاعتبار من معانقة أصحابه فإنك ستظفر حتماً بأبناء أقوياء على الحق، والغريب في الأمر بأنك تجد الأولاد من واقع مفهوم الزوج أو الزوجة يتحولون إلى كرة كل يقذفها على الآخر وأعني بذلك المسؤولية فقد تجد الزوج يرغب في اللعب والاستمتاع مع أطفاله، وحينما تفرض المسؤولية وأقصد المعنوية بمعنى المشاركة وليست المالية وجودها يبدأ تناقل الكرة والتمريرات وغالباً ما تستقبل الأم هذه الكرات وحينما لا تجيد إعادة التمرير وصد الكرات تبدأ بالكلام وأبوكم فيه وأبوكم ما فيه وهنا تنطلق منافسات الدور نصف النهائي ويشمر البعل عن ساعديه معلناً براءته من انسلاخه من المسؤولية بقوله معطيكم فلوس وش تبون بعد وكأنهم موظفون بالأجر اليومي لدى سعادته، والمشكلة الأدهى والأمر هي غياب مبدأ اتاحة الفرصة في هذه التصفيات بمعنى انها تنتهي بخروج المغلوب وليست ذهاباً واياباً، مبدأ اتاحة الفرصة لا يعتبر تنازلا بقدر ما يشكل انتصارا للذات وتأصيلاً لحسن الخلق وعنوانا بارزا لصدق التوجه وسلامة النية لاسيما في حالة حدوث أخطاء لم تكن في الأصل مقصودة، ولو أن مبدأ اتاحة الفرصة لم يكن متداولاً بين الناس ومسهما في التيسير على العباد لما تعلم أحد، بل قد لا يبقى أحد على هذه البسيطة، فكان لزاماً تحقيق التوازن بلا افراط ولا تفريط وترسيخا لهذا المبدأ الجميل بتمرين الذات على هذا السلوك الحضاري الراقي كنمط يلتصق بالأريحية في منظومة التسامح العملاقة ودليل حي على قبول الاستئناف حينما يتكىء على مبررات منطقية لكيلا يشكل التعصب معبراً تنفذ من خلاله قسوة المشاعر إلى القلب، في حين ان في القلب حيزاً واسعاً من حب وود وعطف ورحمة ورأفة واستيعاب اللأخطاء غير المقصودة في شمولية تتحرى الانصاف لنيل الخير وعمله.