من أهم العوامل التي تكشف للكاتب مدى نجاحه في توصيل فكرته للقارئ هي تعليقات القراء سواءً بالتأييد أو المعارضة أو الإضافة أو حتى مجرد الاستفسار عن نقطة غير واضحة. لقد سبق أن كتبت عدة مقالات متناثرة على مدى ست سنوات عن الصناديق السيادية كلها تحذّر بأنه من الخطأ أن تستخدم هذه الصناديق كحصّالة للأجيال القادمة لأنها مع هبّة أوّل هزّة بالاقتصاد العالمي ستنكسر الجرّة وتضيع تحويشة عمرنا لأجيالنا القادمة. لكن رغم التكرار لازال كاتب (صديق قديم) يتساءل: أليس يستقطع الأب من رزقه ليدّخر لأبنائه. كذلك أحد التعليقات من أخ كريم يقول بالنص: لماذا يادكتور مايصلح للأفراد لحماية أنفسهم وحماية أولادهم وأولاد أولادهم لايصلح للدول. نبدأ بالتفريق بين مفهوم الادخار ومفهوم تسييل الثروة. الادخار يعني توفير جزء من الدخل الذي يحصل عليه الإنسان مقابل عمل يؤديه الآن ليكوّن ثروة لمستقبله ومستقبل أبنائه. بينما تسييل الثروة يعني تحويل ثروة موجودة لدى الانسان الآن من صيغة إلى صيغة أخرى كأن يكون لديه طن من الذهب (أو البترول) فيبيعه ويشتري بثمنه أسهم الشركات. عندما يقوم الأب الرشيد باستقطاع جزء من دخله ليكوّن ثروة لأبنائه (صندوق أجيال لأولاده وأولاد أولاده) فأوّل شيء يفكر فيه هو أن يودعها في مكان آمن. ثم يفكر في مقدار العائد فهو لايستثمرها لدى الاجهوري (مثلاً) ليحصل على 15% لمدة سنتين ثم يطير الجمل بما حمل. بل سيفضّل أن يستثمر ثروته في صكوك ساما (مثلاً) ليحصل على 5% إلى الأبد مهما تغيّر محافظ ساما. كذلك الأب يعرف عدد أبنائه، ومقدار الثروة التي سيرثها كل ابن منهم. فإذا كان مقدار ثروته ثلاثة ملايين ريال، ولديه ولد وبنت، فهو يعرف مسبقاً أن الولد سيرث مليوني ريال، وأن البنت سترث مليون ريال. وكل واحد من أبنائه وشطارته، فإما أن تبقي البنت نصيبها في ساما وتحصل 50 ألف ريال كل سنة إلى أن تموت فيرثها أبناؤها وإما أن يغرّر بها سماسرة الاجهوري فتحصل 150 ألف ريال لمدة سنتين فقط ثم تنضم إلى طابور المتسوّلات آخر الليل على كوبري تقاطع الغافقي والمطار. مسؤولية الدولة عن مواطنيها تختلف اختلافاً كليا عن مسؤولية الأب عن أبنائه. فالأب يعرف أنه سيموت ويعرف عدد ونصيب كل ابن من أبنائه، ويعرف أن كل ابن سيشرف على إرثه بنفسه وقد ينتقل الابن من موطنه ويستوطن البلد الذي فيه حصّالته. بينما الدولة باقية لاتموت ولاتورّث أموالاً محددة لمواطنين بعينهم سيغادرون الوطن إلى بلاد فيها حصّالاتهم. وبالتالي فإن مسؤولية الدولة تحتّم عليها أن تبني وطناً لشعب بكامله تتعاقب فيه الأجيال جيلاً بعد جيل ليقوم كل فرد بكسب رزقه بيديه لايعيش عالة على حصّالة في بلد غريب يشرف عليها دياب لابسين تياب. نصيحتي للمطالبين بإنشاء حصّالة للأجيال القادمة أن يكرّسوا دعواتهم فيما ينفع الجيل الحالي والأجيال القادمة بالمطالبة ببناء تنمية حقيقية مستدامة داخل الوطن بأيدي أبناء الوطن توفّر الرفاهية لجميع الأجيال (الجيل الحالي والأجيال القادمة) بدلاً من أن يساهموا في التشجيع على اخراج مايتبقى من ايرادات البترول لم تخرجها العمالة السايبة إلى الخارج. موضوع زاوية السبت القادم – ان شاء الله – بعنوان: حقل منيفة لايزيد الطاقة الإنتاجية الكليّة لبترول أرامكو.