لا شك أن كل عاقل، أفزعته تفجيرات بوسطن، التي وقعت أمس الأول، في شمال شرقي الولاياتالمتحدة، واستهدفت مارثون بوسطن الشهير في نسخته ال117، الذي يعود تاريخه إلى 1898 ميلادي. لا عاقل يفرح بتفجير الأبرياء، ولا سوي يستمتع برؤية الأشلاء، ورائحة الدماء، وهي تنتثر بين آلاف البشر المشاركين، والمتابعين للسباق. التفجيرات أعادت للأذهان ذكرى أحداث الحادي عشر من سبتمبر البغيضة، وما جرته من تناحر، وضغوط على المسلمين عموماً، وعلى السعوديين خصوصاً. لقد كنت أعيش خلال أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، في الولاياتالمتحدة الأميركية، ولمست بنفسي، كيف دمرت هذه الأحداث، كل أثر إيجابي للسعوديين في أميركا. لم يكن الأثر السلبي طبيعياً بتاتاً، فلقد كان الجواز السعودي قبل ساعات من تفجيرات سبتمبر، أهم من الجواز البريطاني بالنسبة لأميركا، حكومة وشعباً، وتحول بعد الحادث، إلى جواز تحوم حوله الاتهامات في أحسن الأحوال. كل ذلك حدث خلال ساعات، واستمر هذا الأثر السلبي حتى وقت قريب، وربما بقي شيء من أثر سلبي وإن لم يكن ظاهراً. يجب الإشادة بأن خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي علق بعد دقائق على تفجيرات بوسطن، أبدى أهمية التريث، وعدم الاستعجال في اتهام أحد. التطرف ليس حكراً على دين ولا جنسية ولا عرق، وهو نزعة متشددة محتدة ضد الأنسنة والتعايش، قائمة على الإقصاء، محبة للتفرد ونفي الآخر، فالتطرف لا يعيش في البيئات التي يعتبر التنوع مكوناً رئيساً من فسيفساء تشكيلها. وكما احتفى بتفجيرات بوسطن شرذمة من المتطرفين من بني جلدتنا، فإن تصريحات الصحافي في قناة فوكس الإخبارية، بضرورة حبس السعوديين، دون تمحيص، جراء التفجير لا يمكن إلا أن تصنف في خندق التطرف دون حرج أو غضاضة! لدينا أكثر من ألف مبتعث سعودي في بوسطن، ومجموع المبتعثين السعوديين في أميركا كلها يقارب المئة ألف أو يزيد، ودعواتنا بأن يحفظهم الله، لكننا نتمنى عليهم جميعاً، أخذ الحيطة والحذر، وألا يتواجدوا فرادى في أماكن لا تقتضي الضرورة وجودهم فيها، وأن يضبطوا أنفسهم، ويتنبهوا إلى أهمية ألا يجرهم بعض المتعصبين إلى قول ما لا يجب قوله، أو فعل ما لا يجدر بهم فعله. نسأل الله أن يلطف بعباده، وأن يعيننا على مواجهة ذيول هذا الحدث الجبان، وأن يسهل لنا اختيار السديد من المواقف، والعاقل من التصرفات، والله يحفظكم.