في البدء يجب أن نعترف ونقر بفضل عدد من المؤسسات التي ليس لها علاقة مباشرة بالفعل الثقافي على المسرح في المملكة العربية السعودية، وأعني هنا أمانات المدن وتحديداً أمانة مدينة الرياض، والحرس الوطني من خلال وضع نشاط المسرح من ضمن فعاليات المهرجان الوطني للتراث والثقافة "الجنادرية" في السنوات الماضية، وقبل أن نناقش وضع مسرح الجنادرية، وأصداء إيقاف فعالياته لهذا العام، لنتحدث قليلا عن المسرح في المملكة، صدقوني المسرح في المملكة أشبه بسؤال مركب لا يمكن حله، هنالك مسرح ولكن لا توجد عروض مسرحية يشاهدها الجمهور، هنالك مسرحيون ولكن لا يوجد معاهد متخصصة، ولا قاعات عرض مهيأة ومعروفة، هنالك جمعية للمسرحيين ولكن بمباركة الوزارة بدون مقر وبدون نشاط وبدون إمكانات، حتى أنها لم تستطع إقامة اجتماع الجمعية العمومية، لانتخاب أعضاء مجلس إدارة جديد، قد نقول إن هنالك جمعية الثقافة والفنون، وفروعها المتعددة، وأقول هنالك محاولات لتفعيل النشاط المسرحي، وفق خطة سنوية، تلزم كل فرع للجمعية بإقامة عرض مسرحي للكبار وآخر للصغار، إضافة إلى إقامة مهرجان متخصص بالعروض القصيرة أو المونودراما أو الشباب، وهذا جميل، ولكن كل تلك العروض محدودة، وأغلبها يكون الهدف الرئيس منه المشاركات الخارجية، نحن لدينا مبدعون من كتاب وممثلين ومخرجين ولدينا عروض نسمع عنها أحياناً.. وقد نشاهدها.. ولكن مع كل هذا لا يوجد لدينا مسرح.. ولكم أن تسألوا أي شخص متعلم ويعرف المسرح بسؤال واحد وهو ( هل يوجد لدينا مسرح) ستكون الإجابة بشكل مباشر (لا)، وبعيداً عن العاطفة نقول معهم حق.. لا يوجد مسرح ولكن يوجد بعض العروض المسرحية، لذا نحن نحتاج إلى تكريس الفعل المسرحي من خلال إنشاء مسارح.. وتقديم عروض مسرحية تستمر لفترة طويلة، فعرض اليومين أو الثلاثة أيام لا يكفي مطلقاً ليتمكن على الأقل المهتمين بالمسرح من مشاهدته.. وهنالك الكثير من العروض المسرحية التي كان توقيت عرضها سيئاً.. وأعتقد أن كثير من المسرحيين يصابون بالإحباط عندما يكون حضور العرض متواضعاً بعد جهد دام أيام أو أشهر.. إذا فالمسرح في المملكة.. يحتاج .. ويحتاج.. ويحتاج..قائمة طويلة طالب بها مجموعان من المهتمين بالشأن المسرحي .. في لقاءات وزارة الثقافة والإعلام.. ومع اللجان الاستشارية.. ولو وجد اهتمام من قبل الوزارة بالمسرح من خلال تفعيل جمعية المسرحيين السعوديين، وإنشاء قاعات خاصة بالعروض المسرحية، و دعم جمعية الثقافة والفنون بإقامة المهرجانات المسرحية وبالذات مهرجان المسرح السعودي، لو حدث كل ذلك لقال جميع المسرحيين الذين يطالبون الحرس الوطني بإعادة مهرجان الجنادرية المسرحي.. "شكراً.. لدينا مهرجاناتنا، ودعوني أتحدث عن مهرجان الجنادرية المسرحي قليلاً.. وأنا هنا لا أرصد تاريخه ولكن من خلال متابعة بعيدة، كان لهذا المهرجان الفضل ببقاء المسرح حياً.. في وقت كان المسرح مغيباً في جمعية الثقافة والفنون.. و لم تكن هنالك وزارة معنية مباشرة بالثقافة، وبجهد كثير من المخلصين واصل المهرجان حضوره في مقر الجنادرية أولا ثم الحي الدبلوماسي ثم مسارح مؤسسة التعليم الفني، ثم عاد لمقر الجنادرية، مأزق المهرجان أنه على هامش النشاط الثقافي، وكان يغرد وحيداً خارج السرب، بمعنى أن متابعة فعالياته كانت تأتي من قبل بعض المهتمين بالمسرح، وتكريساً للتهميش كان مقر إقامة الوفود المسرحية بعيد عن مواقع ضيوف المهرجان،" ولن أتحدث عن ذلك المقر" بل أن هنالك من الضيوف من المهتمين بالمسرح لا يعرف بوجود النشاط المسرحي.. بمعنى أن فعاليات المسرح خارج أجندة المهرجان، وعلى الرغم من ذلك كان المهرجان المسرحي متوهجاً بأهله، وبناء على ذلك فسيبقى مهرجان الجنادرية المسرحي مرحلة مهمة في تاريخ المسرح السعودي، ولكن يجب أن لا نتباكى أو نحزن على إيقافه؛ لأنه من المفترض أن المسرح في المملكة لا يتأثر بإلغائه، والمهرجان الوطني للثقافة والفنون مناسبة حضارية نفتخر جميعاً بها.. تختزن من الفعاليات ما يعطي صورة جيدة للثقافة والتراث في المملكة، ومهرجان المسرح بكل تأكيد خارج دائرة هذا المهرجان، ولكن هنالك ظواهر مسرحية بالإمكان إقامتها في الجنادرية، تدخل ضمن عروض المسارح المفتوحة، ترتبط بالتراث، وتقدم لمحات من تاريخ الوطن ليس الرسمي ولكن أيضاً الشعبي، ليكن مسرح الجنادرية مختلفاً.. ولتكن أرض الجنادرية خشبة مسرح، لنأخذ مثلا سيرة بعض الشعراء الشعبيين الأوائل.. أليس بالإمكان اخذ جزء من سيرتهم وتقديمها كعرض مسرحي.. في الهواء الطلق، وأعتقد بالإمكان بناء أو تصميم ديكور خاص لتلك العروض ، يقدم العرض في ساعة معينة، ولكم أن تشاهدوا عدد الحضور.. بدون مبالغة حتماً سيكون بالآلاف.. بالذات عندما يشارك بالعروض بعض النجوم.. ولن يكون عرضاً واحداً بل سيستمر تقديم العروض الناجحة طيلة فترة المهرجان. أنا هنا أقدم هذا الاقتراح وأعتقد أن القائمين على المهرجان لن يرفضوا مطلقاً أي فعل ثقافي يخدم التوجه الذي يكرسونه بتقديم صورة جيدة عن تاريخ وحضارة المملكة، الأمر يحتاج إلى مبادرة من بعض المسرحيين، وأعتقد بعد ذلك سيكون هنالك مسرح خاص بالجنادرية.