هل نستطيع القول إن مهرجان الجنادرية ينمو ويتطور بشكل تراكمي؟ بحيث يقدم كل عام إضافة نوعية وكمية على أنشطة وفعاليات مهرجان يترقبه الوطن بحماس؟ وتأمل الفعاليات والأنشطة والأجنحة التي تفتتح، والدول التي تستضاف، والأسماء التي تستقطب لابد أن نلمس هذا النمو وإن كان طفيفا بطيئا وأيضا يكابد الكثير من المعوقات والحصار. ولعل القائمين عليه يعلمون أن من يتوقف عند مرحلة معينة ويظن أنه قد بلغ الكمال والتمام من خلالها، فهو حتما سيذوي ويتقهقر، لأن التغير والتطور داخل أي مشروع هو أبرز مؤشرات الحيوية وشروط الاستمرارية. والأمر الذي يتفق عليه الجميع هو أن الجنادرية باتت تقوم بجزء كبير من الفعل الثقافي المحلي الذي هو رافد مهم وأساس للتنمية الاجتماعية داخل مدينة الرياض التي تعاني من الجفاف والشحوب الثقافي. وإن كانت أمانة الرياض تحاول أن تشغل هذا الفراغ، عبر جهود واضحة وملموسة تشكر عليها على مدار العام، تظل للجنادرية طابعها الخاص لاسيما مع تقصير (وكالة الثقافة) في وزارة الثقافة عن القيام بواجباتها بعد أن تورطت بمشاكل وتعثرات لامتناهية أثارت استياء المثقفين، وخلقت تجاذبات وتحزبات تقوم على تصعيد التوتر في الفضاء الثقافي، وشخصنة المواقف، وكلما هو غير ثقافي. لذا يصبح مهرجان الجنادرية هو الترياق الثقافي الذي من الممكن أن يسقى لعاصمة كبرى بحجم مدينة الرياض سواء من ناحية مكانتها في العالم العربي، أو تعداد سكانها. الأنشطة الثقافية في الجنادرية يلمس الجميع حرصها على استضافة عدد من الأسماء العالمية المميزة التي ليس فقط من الممكن أن تثري وتمهد قنوات الاتصال بيننا وبين العالم، بل أيضا تسلط أضواء النجوم على المهرجان، وهذا العام باستضافة الصين بإرثها العريق وثقافتها ومفكريها ومنجزها الحضاري منحت هذه الاستضافة مشهدا موازيا للصورة النمطية التي غرستها في الوعي دكاكين أبوريالين حول المنتج الصيني. ولكن لربما يؤخذ على الأنشطة الثقافية تعدد محاورها بالشكل الذي يجعل المحاضرات وأوراق العمل تمر مرورا سريعا على القضايا ولا تناقشها وتفتقها بعمق، على حين باعتقادي أنه لابد أن يكون هناك ثيمة موضوع وحيد تنتظم الأنشطة الثقافية، بحيث يتم تناوله وتمحيصه من جميع الاتجاهات. هذا العام أيضا احتفت قرية الجنادرية بافتتاح المزيد من الأجنحة للمناطق، ومازالت تنشر قماش الوحدة الوطنية والانسجام والاحتفاء بفنون وثقافات المناطق التي من شأنها أن تفكك مركزية المنطقة الوسطى التي يشكو البعض بأنها تستقطب المشهد أثناء المناسبات الوطنية. وفي داخل القرية تألف أذن الزوار النغمات الطروب للسمسمية الحجازية، وابتهاج وصهيل دحة أهل الشمال، ومواويل البحر والدانات من الشرقية، وقفزات خطوة الجنوب بين بريق الخناجر وعنفوان الفرح، عندما يعتاد الأطفال الذين يزورون الجنادرية على هذه المشاهد والإرث و الفنون باكرا ويحتفون بها ويبجلونها، يعون وقتها بأننا نمتلك وطنا شاسعا ثريا مغدقا يجب أن نصونه، ونحول بينه وبين المخربين والمرجفين والظلاميين وذوي القلوب التي تحمل أقفالها. في النهاية هناك مطلب شبه جمعي يكرر كل عام دون أن يصل إلى أرض الواقع، وهو الاستثمار الاقتصادي والثقافي في قرية الجنادرية.. بحيث تتحول إلى نشاط متوهج على مدار العام، ملبيا الحاجات الاقتصادية لأصحاب الحرف و في نفس الوقت، يحمل بعدا ثقافيا وحضاريا. وبالتأكيد مشروع من هذا النوع لو منح للقطاع الخاص كشريك.. ستصبح قرية الجنادرية ملامحا متميزا لمدينة الرياض وجزءاً من هويتها التي تتضور الفعل الثقافي الذي يجمع بين الجماهيرية والفنون الراقية في نفس الوقت.