بمطالعة أي دراسة أو بحث علمي، أو حتى عمود صحفي يتحدث عن التربية والتعليم لوجدته يصف المعلم بأنه حجر الزاوية، أو الأساس في نجاح العملية التعليمية، وهو مفهوم يدخل في منظومة الحقائق التربوية، فعلى سبيل الافتراض لو أوجدنا مدرسة ووفرنا لها جميع عناصر العملية التربوية والتعليمية على أعلى المستويات وأحدث الإمكانات المادية وأهملنا في الوقت نفسه تطوير المعلم، فحتما تكون النتيجة الفشل في تحقيق الأهداف. وهذا هو الحال في واقعنا الميداني التربوي والتعليمي، إذ بدأت الوزارة في أنشاء المباني الحديثة، وطباعة المقررات المطورة وتوزيعها، وتجهيز المختبرات المدرسية وغيرها من عوامل تُسهم في نجاح العمل التربوي والتعليمي، لكنها ظلت في مستوى واحد من مسألة التطوير المهني للمعلمين، ونعني هنا تدريب المعلمين أثناء الخدمة، أما التدريب قبل الخدمة فذلك هم أخر لا مجال للحديث عنه الآن، ويقوم التطوير المهني للمعلمين أثناء الخدمة حالياً من خلال آليتين، شرب الدهر عليهما وأكل، ومل وسأم منهما القائمون عليها فضلاً عن المستهدفين بالتطوير، وهما: التطوير المهني للمعلمين والمعلمات عن طريق مراكز التدريب التربوي بالإدارات التعليمية، التي ينقصها الإمكانات المادية الحديثة والكوادر البشرية المتطورة القادرة على إيجاد الأساليب التدريبية المطورة الناجعة والمؤثرة، والأهم من ذلك بعد هذه الكوادر عن الواقع الميداني والخبرة المباشرة لما تقوم بالتدريب عليه، فعلى سبيل المثال ليس مقبولاً لدى المعلمين أن يقوم بتدريبهم على طرائق التدريس مثلاً من لم يمارس مهنته كمعلم لمدة تزيد على عشر سنوات، ما أوجد قناعة تامة لدى المعلمين بعدم جدوى جميع ما تقدمه هذه المراكز، ولعل قصر مدة تلك الدورات واعتمادها على الجانب التنظيري وغياب الجانب التطبيقي عنها ساهم في ترسيخ تلك القناعة، ولذلك شهدت عزوفاً واضحاً عنها، ساهم فيه مديرو المدارس الذين بدورهم لم يبادروا بتحفيز معلميهم لحضور تلك الدورات لقناعتهم بعدم جدواها، ولما يسببه خروج المعلمين من أرباك في المدرارس، وذلك ملاحظ وبشهادة المنصفين، وإن حاولت الإدارات التعليمية والوزارة مناقضة ذلك بإيراد أرقام وإحصائيات عارية عن الصحة تماماً. عن طريق عقد دورات مركزية بالوزارة يقوم عليها مشرفو ومشرفات العموم، ويقومون بتقديمها لمشرفي ومشرفات الإدارات التعليمية، ومن ثم يقوم هؤلاء بتقديمها للمعلمين والمعلمات في مراكز التدريب التربوي أو مكاتب التربية والتعليم بإداراتهم، ومن المؤسف أنه يُصرف مبالغ طائلة مقابل هذه الآلية عديمة الجدوى والفائدة للمبررات الآتية: - فقدان مشرفي ومشرفات العموم أساليب التدريب المعاصرة، وبعدهم عن الواقع الميداني، والخبرة المباشرة، وتماثلها لما تقدمه مراكز التدريب التربوي من حيث قصر مدد تلك الدورات، واعتمادها على الجانب التنظيري، وليس أدل من ذلك من الدورات التدريبية التي عُقدت مؤخراً للتدريب على التعامل مع المقررات المطورة الحديثة، وخاصة مادتي العلوم والرياضيات حيث غياب مشرفي العموم عن تدريس هذه المقررات وعدم حصولهم على الخبرة مباشرة مع غياب الجانب العملي، كل هذا ساهم في جعل هذه الجرعات التدريبية غير ناجحة، ولم تحقق الأثر المرجو منها، إذ يعاني المعلمون والمعلمات الأمرين من تدريسهما لعدم تلقيهم الجرعات التدريبية المناسبة لتدريسها والتعامل معها، وينطبق الحال على مقرر لغتي وغيرها. - امتدادا لما ذكرناه في النقطة السابقة، حيث لم يتطور الأداء المهني لمشرفي ومشرفات الإدارات التعليمية من الدورات المركزية بمقر الوزارة، ولن يستفيد منهم المعلمون والمعلمات بأي حال من الأحوال وهم الجهة المستهدفة للتطوير المهني من هذا التسلسل البشري غير الفاعل. ويضاف أن غالبية مشرفي ومشرفات العموم ومشرفو ومشرفات الإدارات التعليمية - الا ما ندر منهم - قد بلغ بهم الاكتفاء والتشبع من التدريب وتوابعه والعمل الوظيفي حداً لا يحبذ لديهم التغير، وخاصة في المستجدات المعاصرة كالمقررات المعاصرة التي تحتاج إلى أذهان صافية ومتعطشة للتطور والإبداع. - إن الجهة المستهدفة من هذه الآلية وهم المعلمون والمعلمات، يأتون في آخر هذه السلسلة البشرية التدريبية غير الفاعلة، بل هم الحلقة الأضعف حيث لا مصاريف سفرية، ولا انتدابات، بل إن دورات معهد الإدارة العامة التي لا تستثني أحد من موظفي الدولة يُحرم المعلمون والمعلمات منها.