كثرة النفاق في اللغة اشتقت من لفظ النفق الذي يعني حفرة في الأرض تخترق جبلاً أو صخرة من جهة وتنفذ إلى جهة أخرى أو مساحات تحت الأرض يسودها (الظلام) في أغلب الأحوال، ولها أكثر من مخرج يوصل إلى سطح الأرض من حيث النور والوضوح.. والنفاق في الدين ستر الكفر في القلب، وإظهار الإيمان باللسان، والنفاق عندي إخفاء ما في الباطن من سوء، وإظهار النقاء (الطيب) في العلن! والموظف المنافق شخص غير منظور تعمل الدوائر الحكومية والشركات والمؤسسات الخاصة على استئصال شأفته حتى تسود قواعد المحاسبة وأنظمة العدالة والديمقراطية والشفافية. قال تعالى: "ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر، وما هم بمؤمنين، ويخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون، في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون" البقرة الآيات: (7 - 10). ومن مترادفات النفاق الوظيفي التي يتداولها اليوم الموظفون المنافقون سواء في الدوائر الحكومية أو الشركات أو المؤسسات الخاصة: لتكن دبلوماسياً مع رئيسك أو مديرك، أو المجاملة خير طريق لنيل الرضا أو الصراحة ليست جيدة في كل الأوقات أو الصراحة المتجملة، كن كذاباً إذا كان ذلك سيكون حلاً لمشكلة تطبيقاً لمبدأ (الغاية تبرر الوسيلة). وهناك من يبتسم لرئيسه أو مديره موحياً بقبول كل ما يقوله! ومن خلفه لعنه ألف لعنة! ووصفه بأقذع الأوصاف وأبشعها! وهناك من الموظفين من يسلك عكس ما يعتقد لأن مصلحتهم في نظرهم قد لا تتحقق إذا عبروا عن مكنونات أنفسهم أو رأيهم بصراحة! ويعتقد بعض رؤساء الإدارات أو المديرين بأنهم أصبحوا في قمة الهرم الإداري، فيأمرون وينهون، ويخرجون مشاكلهم النفسية على موظفيهم مما يدفعهم إلى استيعابهم واتقاء شرهم بحجة أنهم يملكون السلطات التي تخولهم طرد أو مضايقة من يخالفونهم في الرأى أو في اساليب اداء العمل دون محاسبة حقيقية من أحد. وإذا كان السلوك غير السوي لهؤلاء الرؤساء والمديرين أحد أسباب ذيوع النفاق الوظيفي لأن لديهم - بكل أسف - القابلية لذلك إما لأنهم ضعاف المهارات - أكرر - ضعاف المهارات أو غير مؤهلين لأداء أعمالهم أو دخلوا الدائرة الحكومية أو المؤسسة بطريقة غير شرعية لأن بيئة الوسط الاجتماعي يسودها "ثقافة الشلة" والتشابك المصلحي بين أفراده وجماعاته تحت مبدأ "فلنخدمه اليوم، وسيخدمنا غداً". كما تسودها "ثقافة التمسك" بالوظيفة، القتال عليها، لأن سوق العمل أصبحت ضيقة كثقب الإبرة! فالتنازل واتخاذ مظهر المتماهي مع زملاء العمل في سبيل البقاء. ويسودها أيضا "ثقافة التخلي" عن أي ثوابت قيمية تحملهم على قول الحق أو إي انتقادات توجه نحو أوضاع لا تعجبهم. والسبب أن الدائرة الحكومية أو مؤسسات القطاع الخاص لا تطيق إطلاقاً سماع "قول الحق" ففي نظرها أن كل ما تفعله هو "الحق" وأن غيره هو الباطل مما يخلقون موظفين مشوهين ثقافياً وسياسياً واقتصادياً ليس لديهم قدرة على تقييم الأمور، لأن منظور مصلحتهم الضيقة التي لا يرى أبعاد قيمية وهو ما ينسحب - بكل أسف - بالتبعية على أدائهم الوظيفي في بيئة العمل! ويخلق بالتالي حالة من الشخصانية للدائرة الحكومية أو المؤسسة ذاتها في ارتباط الموظفين برئيسهم، فما أن يرحل عن منصبه أو ينتقل إلى منصب آخر سرعان ما يتغير كل شيء، نحو كل ما فعله سلفه سواء إيجابياً أو سلبياً! وهناك من يعمل لأجل المظهر (الشكل) لا المضمون،أي يتحايل على ضعف كفاءته بحرص مبالغ فيه على أناقته أو باظهار حبه المبالغ لرئيسه (مديره) أو الظهور أمامه بمظهر الموظف (المجد) الذي يعمل ليل نهار من أجله! وتبرز قوى الاستخبارات (المخابرات) داخل الدائرة تسعى جاهدة لمعرفة من مع الرئيس (المدير) ومن ضده، لأن مفهوم الولاء في هذه الحالة يحكم الموقف وليس الكفاءة، وسرعان ما تتحول هذه القوى إلى (لوبي) يقوم بدور فاعل في نفسية وعقل رئيس الدائرة باتخاذ قرار واستبعاد كل من لا يدينون له بالولاء مما يؤدي إلى تعطيل (الإنتاجية) إنتاجية العمل داخل الدائرة ذاتها. هل حان الوقت لكي نعترف صراحة بمخاطر النفاق الوظيفي الذي يؤثر سلباً على الأداء الإنتاجي للدوائر الحكومية والمؤسسات الخاصة ونبدأ فوراً لإنشاء برامج المصارحة الإدارية بالإضافة إلى إنشاء وحدة للتعامل النفسي مع الموظفين وتحسين أدائهم قيمياً مع ضبط بيئة العمل!؟