«بكره الدنيا تعلمه» جملة نرددها عندما نتحدث عن غافل أو متسرع أو جاهل أو ساذج، فنحن مقتنعون أن الدنيا مدرسة، وأن التجربة أفضل طريقة للتعلم، لنستخدم الأطفال مثالاً فليس هناك أفضل منهم، والطفل يملك حس الاكتشاف ولم يفقد بعد القدرة على الدهشة لذلك تجده في مرحلة من مراحل طفولته الاستكشافية يمسك بكل ما تقع عليه يداه، وفي مرحلة أخرى يضع كل هذه الأشياء في فمه باحثاً عن طعمها فهو لا يملك حس الاختيار بعد، لا يعرف أن هناك أشياء تلمس وأشياء تؤكل وأشياء نكتفي بالنظر لها وأشياء لا نملك سوى أن نحلم بها ونحن نعرف أننا لن نحصل عليها أبدا وهذا ما يؤلمنا أن نقف عند أبواب الحلم عاجزين. لنتحدث عن تجربة الطفل مع إبريق الشاي الحار الذي يراه موضوعا أمامه يتصاعد منه البخار والرائحة الجميلة لذلك فإنه يمسكه هذا ما تفرضه عليه غريزته فوسيلته الوحيدة للتخاطب مع بيئته هي اللمس، رغم أنف أمه التي تصرخ قائلة «حار» وأبيه الذي يحاول ان يبعد الإبريق عنه، وعندما يلسعه الإبريق الحار، يضحك أو يبكي أو يصرخ أو يقوم بالثلاثة أفعال معاً وفي تلك اللحظة تتكون لديه ذاكرة الألم، فللألم ذاكرة.. كما لجهازنا المناعي ذاكرة، جسدنا يخزن آلام المرة الأولى حتى يحاول أن يتفادها في المرات القادمة، لذلك نحن نتعلم من الألم، نتعلم على الأقل كيف نتجنبه، هذا إذا كنا أذكياء، لكن أحيانا تغلب علينا طباعنا ونعود ونمسك إبريق الشاي ونحترق! وكأننا لا نعرف أنه حار، وأنه يحرق وأنه يؤلم! لسنا جميعا نملك القدرة على التعلم من تجاربنا، أحيانا نحسن الظن بأنفسنا أو بالآخرين فنتوقع أن التجارب لن تتكرر، وأنها حتى لو تكررت سنعرف كيف نتعامل معها؟ لكننا نتفاجأ بأنفسنا حين نجد أننا في حالة ضعف وانكسار وهزيمة، حين نجد أن المواقف تتكرر والتجارب تعاود نفسها مع تغير الأحداث والأسماء لكن الفكرة واحدة، ونحن لم نتعلم بعد! لماذا؟ الإجابة على هذا السؤال نحن فقط نملكها، نحتاج إلى أن نفكر قليلاً، ونعترف أننا ننسى، نتجاهل، نحب، نشعر بالأمان، لذلك تتسلل التجارب المؤلمة إلينا ونحن نتفرج ضاحكين، لنصرخ في الوقت الضائع «آه» عندها لن يسمعنا أحد.