تجذبني فكرة الخوف، لا لأنني أحب أن أخيف الآخرين فأنا من فصيلة "بس الساس" الذي يهرب من خياله، لكن لأنني أفكر في مفهوم الخوف، وكيف ينشأ داخلنا؟ كيف تزرعه التجربة؟ وكيف تعززه المعرفة؟ فمعرفتك بالأخطار المحيطة بك تجعلك أكثرحذرا وخوفا. وفي أحيان كثيرة أتعجب من انتقائية الخوف لدينا كبشر، فمثلا هناك من يخاف من زحام السيارات التي تنطلق مسرعة فتجده متحفزا أعصابه مشدودة خائفا من كل سيارة تمر بجانبه عينه على سائق التاكسي أو السيارة أو الحافلة التي يركبها لكنه ينام بهدوء على مقعد طائرة مرتفعة آلاف الأقدام فوق الأرض رغم أنف المطبات الهوائية وإشارة ربط الأحزمة. الخوف نتعلمه كلما كبرنا وكثرت تجربتنا. فأنت مثلا في صغرك لا تعرف أن إبريق الشاي حار فتمسك به ليحرق يدك فتعرف لحظتها وقبل حتى أن تبدأ الكلام وقبل حتى أن تنطق كلمة"ساخن" أن عليك أن تبتعد عن كل إبريق! حتى تكبر وتعرف الفرق بين إبريق مليء بالماء الساخن وآخر فارغ لن يؤذيك لمسه. وأنت مثلا قد تخاف من القطط لسبب ما لا تعرفه لكن يمتزج خوفك بالقرف من الفئران مثلا. تتراكم معارفك الإنسانية كلما كبرت، تتعلم متى تتكلم وكيف تتقن فن الصمت؟ تتعلم في أي مكان تستمع بانتباه وفي أي مكان تصرخ غير عابئ بما حولك، تتعلم أن الثقة لا تمنح لكل من أعطاك أذنا صاغية ورسم على وجهه ملامح شبه متعاطفة معك. تتعلم أن تخاف وتحذر قبل أن تسرع بسذاجة وبنية طيبة ماداً يدك نحو الآخرين لأنك تعرف أن بعضا من هؤلاء الاخرين ليسوا بأهل ثقة ولا يستحقون التواصل، تتعلم أن ليس كل من يبتسم في وجهك هو شخص لطيف ومسالم، تتعلم أشياء كثيرة الخوف عامل مؤثر فيها. فأنت مثلا تخاف من أحكام الآخرين الجاهزة، تخاف من كلامهم عنك تخاف من تصرفاتهم نحوك فتحدد تعاملك معهم وتجاههم حتى يتقبلوك في دائرتهم الاجتماعية، أنت تخاف الوحدة لذلك قد تقبل برفقة مؤقته تأخذك بعيدا عن نفسك. والتجربة تعلمك الخوف، فحين تضع ثقتك فيمن خان هذه الثقة، وحين تتعامل بأخلاق عالية مع أناس لا يفهمون ذلك تبدأ ببناء سياج حولك يختلف ارتفاعه وسماكته باختلاف مزاجك أو إحساسك الداخلي، وليس بالضرورة أن يكون هذا سياجا يحميك قد يكون سياجا يمنع عنك الإزعاج أو النظرات المتطفلة أو يوفر لك شيئا من الهدوء وبعضا من السكنية. أنت تخاف، وما المشكلة في ذلك ألست بإنسان؟