أصبح إنتاج ألبوم غنائي متكامل في عصرنا الحاضر مغامرة كبيرة للمطربين، ليست مضمونة النتائج في دنيا الغناء، وذلك لعدة أسباب، منها اختفاء رموز الشعر واللحن، ولم يتبقَ إلاّ القلة القليلة منهم، وأيضًا بسبب حالة الكساد التي يواجهها سوق الكاسيت منذ عدة سنوات بسبب انتشار الفضائيات، ولجوء الشباب إلى الإنترنت لتحميل أحدث الأغاني العربية والغربية لأي مطرب، وهو ما أثّر بالسلب على حركة البيع في دنيا الكاسيت. ومع كل هذه الأسباب أصبح المطرب بصعوبة نادرة يجد ما يتمناه المستمع، فالمستمع أصبح أكثر وعيًا مع انتشار موجة الأغاني الصاخبة غير المجدية، وأصبح المستمع يبحث عن الأغاني الأصيلة من كلمات وألحان، لذلك أصبحت الموضة هذه الأيام عند بعض المطربين هي الأغنية المنفردة «السينجل» (single)، بشكل أكثر من ذي قبل، وبدأ التعامل معها على أنها كيان خاص يجب الاهتمام به لتحقيق الهدف منه الذي يكون على الأرجح هو الوجود بعد فترة غياب طويلة أو حتى قصيرة، لدرجة وصلت بالبعض إلى تنظيم حملات دعائية خاصة بالأغنية، أو تسريب الأغاني عبر الإذاعات والتلفزيون، وكان من أبرز المطربين الذين عملوا على طرح الأغاني المنفردة، هم رابح صقر وعبدالمجيد عبدالله وراشد الماجد، فهذا الثلاثي أصبح من أبرز الفنانين الذين أصبحوا يطرحون الأغاني المنفردة بعد كل فترة وذلك لجذب المستمع للأغنية، وبذلك يصل الفنان بقوة إلى الجمهور!. رابح «تحملتك» ولكن الجميل الذي يُحسب لهذا الثلاثي، هو اختيارهم الدقيق للأعمال، فرابح صقر يعتبر من أول مَن شق هذا الطريق في وقتنا الراهن، ولاقى صدى كبيرًا لدى الجمهور وكان بين كل فترة يطرح أعماله حتى استطاع بكل قوة أن يصل لقلوب الجمهور كأغنية «تحمّلتك» التي قدم فيها فكرة غير مسبوقة لأي فنان سعودي أو خليجي، وهي طرح أغنية منفردة (SINGLE) على CD يحوي أيضًا نفس الأغنية مصورة بطريقة الفيديو كليب، وإعادة للأغنية نفسها بطريقة ال REMIX بحيث تمكّن محبو رابح من سماع الأغنية ومشاهدتها والاستمتاع بها في آن واحد على قرص مدمج واحد أي «ثلاثة في واحد»، وأيضًا أغنياته «منتهى الرقة»، و«صدقني»، و«إنتي حلوة». عبدالمجيد «هلا بش» ومع كل هذا التنافس القوي بدأ عبدالمجيد عبدالله بطرح العديد من الأعمال المميّزة بإيقاعات رائعة وكلمات جميلة كأغنيات «القوس قوسك»، وأغنية «هلا بش»، و«خلص حنانك»، و«تحيّر النظر»، وقد أشاد الجميع بالخطوات الواثقة التي يسير عليها عبدالمجيد بدمج الأغاني العصرية بالقديمة، سواء كان بالإيقاع أو بالكلمات، وحتى الأداء ووصفه البعض بالساحر، حيث استخدم عبدالمجيد طبقات صوته المتدرجه للتلاعب باللحن بطريقة الكبار، لذا أصبحت أغاني عبدالمجيد مطلبًا للجميع بدون استثناء. الماجد «خاينة» بالتأكيد مع كل هذا التقدم الفني الكبير لرابح وعبدالمجيد، لم يقف الفنان راشد الماجد مكتوف الأيدي وهو يرى ذلك الاقتحام القوي لأقوى منافسيه، فاستخدم جميع قدراته ومكانته الفنية بالدخول بقوة في معمعة التنافس، في مؤشر كبير وواضح إلى استخدام عنصر الأغاني المنفردة كسلاح كاسح، وبالفعل أيقن الماجد خطورة وضع الألبومات الكاملة ونجاح المنفردة، فانطلق بالأغاني ال SINGLE، ولكن هذه المرة بشكل مختلف، وهو الدويتو، فقدم أغنية «خاينة» مع المطربة المغربية أسماء لمنور وأغنية «غرقان» مع حسين الجسمي و«الموعد الضايع» مع يارا وأغنية «ما بنكسر صابر» وكانت في البداية مقدمة لمسلسل «قلوب للإيجار» وبعد ذلك انتشرت في الإذاعات ولاقت نجاحًا كبيرًا، إلى جانب أغنية «لو بغيت أضحك» وهي غناء الفنان الراحل سلامة العبدالله، حيث أعاد الماجد هذه الأغنية بصوته وأسلوبه دون أن يمس لحن الأغنية بأي تغيير. القائمة مليئة القائمة مازالت ممتلئة بالأسماء من النجوم الكبار أو حتى الشباب ممّن اعتمدوا طوال الفترة الماضية على الأغنيات «السينجل» لتحقيق معادلة الوجود والانتشار مع عدم وجود المخاطرة بألبوم غنائي كامل، ولكن يبقى النجاح لمن يقدم ما ينتظره الجمهور. الملحن صالح الشهري أشاد بخطوات هذا الثلاثي ووصفها بالمقننة، وقال ل «الأربعاء»: الأغنية المنفردة أصبحت الآن هي مطلب الجمهور، وهي ما يبحث عنه، ولكن بشرط أن تكون هذه الأعمال المنفردة على مستوى كبير، وتنال رضا الجميع، وأعتقد بأنها ليست موضة كما يصفها البعض وإنما أعمال رائعة بفكر جديد، ولكن أتمنى ألاّ يدخل هذه المغامرة إلاّ مَن يثق تمامًا بأنه سيصل للجمهور مباشرة دون تأخير، وأعتقد أن الثلاثي (رابح، عبدالمجيد، راشد) أجادوا حتى الآن في طرح أعمالهم المميزة التي أصبحت مطلب الكثير من المستمعين. من جانبه قال المايسترو الدكتور عماد عاشور إن الاتجاه الحالي للأغاني المنفردة يعتبر مخاطرة، ولكنها مخاطرة مضمونة النجاح إذا ما صاحبها التدقيق والاختيار السليم، وأضاف عاشور: بالفعل نرى في هذه الفترة انتشارًا كبيرًا للأغاني المنفردة من الكثير من الفنانين على جميع الطبقات، ولكن هناك الكثير ربما لم يحالفهم الحظ، ولكن يبقى القلة كان نجاحهم مشهودًا من الجميع. ونوه عاشور أن من المشاكل الكبيرة التي ربما تواجه الفنان هي الدخول في معمعة الأغاني المنفردة، والتركيز عليها، وينسى أنه مطلوب بأن يقدم ألبومًا كاملاً لأنه هو الأساس.