عندما يتذمر الناس من نقص الخدمات الضرورية، تأتي إجابة تدعو للتفاؤل والإيجابية. نسمعها كثيراً في كل الأقطار العربية. لم لا تنظرون إلا إلى النصف الفارغ من الكأس؟ انظروا إلى النصف المليان. تحدثوا عن الإيجابيات. كفانا جلد الذات، فقد ازرق جلدها وتورم من سياط الكُتاب. تُرى هل تكمن المشكلة في رؤية نصف الكأس المليان من الناس أم في عدم رؤية النصف الفارغ من المسؤولين. الموجود محسوس والمحسوس مرئي. إذاً المشكلة تكمن في محاولة رؤية النصف الفارغ. فالمفقود ليس موجودا وما ليس موجوداً لن يرى. الخبر: كشفت آخر إحصائية أن 40% من السعوديين يملكون منزلاً خاصاً. جميل هذا النصف المملوء من الكأس. فلنحتفل بذلك النصف. بالطبع لن نفسد احتفاليتنا بسؤالنا عن نوع المساكن ولا عن مدى توفر الخدمات الأساسية لها من ماء وصرف وكهرباء وحدائق ورصف شوارع وتشجير. فالجواب قد يكمن في كأس الإحصاء ولست أدري إن كان حينها سيكون كأسها عشر أو ثمن مليان أو لا يحتوي إلا قطرات. سأسوق مثالاً لزوجين "كبيرين قدراً وعلماً وعمراً" أعياهما البحث ثم استقر بهما المقام في بيت صغير وبثمن باهظ، البيت يفتقر للجودة في كل مكوناته "مايسمى بالمصطلح الشعبي مبنى تجارياً". ولست أدري كيف أُجيز بناء مثل تلك البيوت التي تغص بها المدن والقرى. أمضوا 60% من عمرهم في جمع قيمة البيت وسيمضون بقية عمرهم في إصلاح مايمكن إصلاحه في بيت العمر. إذاً رؤية النصف الممتلئ ممكنة وليس من صعوبة في إدراكها أو تذوقها. الصعوبة تكمن في إدراك المسؤول أن هناك نصفاً فارغاً. فالكؤوس من حوله فائضة. إن من الضرورة أن يدرك أن الوجه الآخر للاحتفالية هي مأساة اجتماعية بكل المقاييس. لابد أن يدرك أن 60% من الشعب لايملك سكناً خاصاً. دعوة صادقة لرؤية النصف الفارغ بعد أن شُغلنا عقوداً في النظر إلى النصف الملآن.