إنه رقم الغرفة التي سكنت فيها يوم الأربعاء الماضي في أفخم فنادق مكة. لقد كانت تجربة لا يمكن تجاوزها أو نسيانها،لا سيما أني كنت أسكن في واحد من أغلى فنادق العالم. قام بالترحيب بي شاب آسيوي في مدخل الفندق، وقادني إلى البهو حيث بدا أن هناك اثنين من موظفي الاستقبال فقط مقابل (طابور) من الضيوف، وبعد لحظات طويلة من الانتظار أدت إلى تذمره وعدم رضاه عن زملائه ومستوى الخدمات المقدمة للنزلاء. وأخيراً حللت في الغرفة، رحب بي الموظف الآسيوي ذاته وتمنى لي حسن الإقامة قائلاً: "أرجو لك الاستمتاع بضيافتنا من الفاكهة والمياه المجانية". ضحكت وقلت له: "لا أرى شيئاً مما تتحدث عنه في الغرفة". فرد بابتسامة متكلفة بما يعني"مشّي حالك"، قائلاً:"قد تأتي لاحقاً"، وغاب بعدها الفتى كما غابت معه معالم الضيافة في هذا المكان. حينها، كان أول عمل قمت به فور فتحي للحقائب، هو استخدام ملطفات الجو والعطور التي لدي كلها لرشها في الغرفة، عسى أن أتخلص من رائحة كريهة لا تطاق، عالقة في جدران المكان. كان شيئاً مثيراً للاستياء فعلاً، فكلما رأيته حولي دفعني إلى التقاط مجموعة من الصور للأثاث القديم المتهالك، كتلك (الكنبة) الزرقاء التي بدت عليها البقع والأوساخ بوضوح، والطاولة التي لم تبد نظيفة أيضاً، بل إن آثار أواني الطعام ما زالت عليها كما هي. اتصلت بقسم الاستقبال، وتذمرت من مستوى النظافة في دورة المياه ثم طلبت تنظيفها لكن لم يتغير فيها شيء يُذكر. وأثناء بحثي عن سجادة الصلاة لم أجدها، علماً أننا نجدها في فنادق أوروبا أحياناً! قلت لنفسي: سأضع أي شيء على الأرض، ثم أصلي ركعتين لعل نفسي تهدأ حين أعزيها بأن الآخرة خير وأبقى من الدنيا وما فيها... لكن خطتي باءت بالفشل حين دخل (دبوس)كان على الأرض في إحدى قدمي. وأثناء مكوثي على الأرض لمحت تحت الطاولة زجاجة عطر فارغة، لم أستطع لمسها وتركتها على حالها. إنني شخص يدرك أهمية مكة، إذ لم أقصدها للرفاهية، بقدر بحثي عن السلام الروحي والطمأنينة، لكني كنت أطمح بالقليل من النظافة التي لم تتوافر إطلاقاً في هذا الفندق، إلا أني كنت على يقين أيضاً بأن من يقومون بالتنظيف غالباً، لا يدركون أي معنى لهذه الكلمة (النظافة) وإن كانت من الإيمان. كل ما قمت به آخر الأمر، أني وضعت علامة عدم الإزعاج على باب الغرفة وتعايشت مع الوضع، فقد ساعدني على ذلك أني قضيت معظم أوقاتي في الحرم. أما المصاعد غير العملية والفريدة من نوعها لقدمها، فقصة المعاناة معها طويلة،إذ كنت في أوقات كثيرة أساعد السيدات المسنّات على استخدامها. تساءلت حينها: أيعقل ألا يمكنهم تغييرها أو وضع موظف لخدمة كبار السن على أقل تقدير؟ عند مغادرتي سألني موظف الاستقبال: "هل استخدمت أي شيء من الثلاجة؟"، فأجبت:"وهل كان هناك في الغرفة ثلاجة؟"، ثم تذكرت أنه كان يقصد الخزانة المهترئة التي لم أستطع فتحها لقذارتها. كانت تجربة وانقضت، لم تعوضني عنها سوى طلة مكة الشافية للقلوب والأرواح. ولكن أين وزارة السياحة أو حتى الأوقاف من هذه الفنادق التي تخدم ضيوف الرحمن؟ وأين يا ترى تقع غرف ملاك هذا الفندق، والتي يتمتعون فيها بأعلى درجات الرفاهية والخدمات الراقية، حيث يسكنون في بروجهم ولا يعرفون عن حقيقة أدواره السفلى؟! للأسف هذا هو واقع أرقى فنادق مكة. لكن أستغرب من رأي العملاء الذين يشهدون على موقع الفندق الإلكتروني، بأنه يستحق تقدير 9.9 من أصل 10، وأنه ممتاز ونظيف ولا مثيل له! أيعقل أنهم لم يشموا الروائح الكريهة في بهو الفندق؟ لأنها في الواقع أول ما يستقبلك فيه... ربما لأن في أذهانهم مكة فقط، بلد الطيب والمسك والعنبر!! *رئيسة تحرير مجلة (فوربس- الشرق الأوسط)