تحدثنا يوم أمس الأول عن بائعة البيض الجميلة وعن شغف أبو مشعل بها، وعن شخيره أيضا. كان دوام بائعة البيض في المقيبرة من الساعة السادسة صباحا حتى أذان الظهر. في هذا الوقت يكون مراهقو الرياض يقضون ساعات محكوميتهم في المدرسة فصار اكثر زبائنها من الشياب. قررنا أنا واثنان من زملاء المدرسة أن نتغيب عن طلب العلم لمشاهدة ما يتغنى به رجالات الرياض الزكترية. غياب ثلاثة طلاب يوما واحدا عن المدرسة لن يفشل مشروع التعليم في المملكة. وصلنا المقيبرة مع تباكير الصباح. كنا نعرف طريقنا ونعرف هدفنا فتيسر الأمر بسرعة. من كثرة ما سمعنا عنها وما أخبرنا به الزملاء والرجال الآخرون بدا كل شيء كأننا عشناه من قبل. شققنا طريقنا بين بسطات الحريم. وقفنا أمامها كأنما نقف امام مغارة سوداء في داخلها الأوهام والأحلام والسعادة المتعذرة. من حسن الحظ أن الناس على قدر من الحشمة وكثير من الخوف فجاء الوقوف امامها منظماً وبالسرا، كأنك امام شباك تذاكر في مسرح إنجليزي. كان يسبقنا في السرا رجل مسن. كثير التذمر. يدعي انه مستعجل وعندما اصبح امامها لم يعد يتذكر أنه كان مستعجلا. كان يردد يا بنت الحلال خليها بأربعة ونص. فقالت لا تضيع وقتي الله يحييك تبي ولا بكيفك. من الواضح أن شيخنا أكرم من أن يرده نص ريال. قيمة البيض والبيزة تكمن في المساومة وفي إطالة المكوث امامها. على استعداد ان يدفع عمره من اجل بيضة واحدة أو بيزة. كنا صغارا في السن لم نكن نقدر حساسية موقف الشايب فاستعجلناه. خلصنا يا طويل العمر. انتزعنا عينيه من عينيْ المرأة فانسحب المسكين بسرعة تاركا وراءه حقدا عرفناه عندما التفت وألقى علينا نظرة عدوانية كأننا قتلنا واحدا من أبنائه. اشترينا ثلاث ربطات بعد مساومات لم تطل. مع الأسف لم نأخذ زادنا المأمول من الضحكات كاملا. الارتباك وغياب الخبرة في ملاطفة النساء ضيعا علينا وقتاً ثميناً كان يمكن أن يزودنا بطاقة غزل تكفي لأيام الحب القادمة. اخذنا البيزة وقفلنا راجعين. في الطريق تذكرنا ورددنا أغنية شائعة في ذلك الزمن (يطلع ذراعه خابرن انه زين). كانت عوامل الحب متراصة متضافرة. حمدنا الله وشكرناه على نعمته ولكننا تورطنا بالبيزة. جلسنا في دكان أبو حسن. طلبنا ثلاثة صحون بليلة وبدأنا نتدارس الامر. رفض أي منا اخذ البيزة إلى البيت. سوف تسأل امه وش علاقتك بالبيزة وتتهمه بالسرقة وأغلب الظن انها سمعت براعية البيض الجميلة. احترنا. لايمكن ان نلقي بخمسة عشر ريالا في الزبالة. بعد مداولات طويلة وجدنا أن أفضل حل أن نهديها لأبي مشعل. رجل متزوج وبيته عامر بالدلال وصديق عزيز وله فضل عظيم في تبصيرنا بأمور النساء الخفية التي لا يستغني عنها أي حالم. كان قرار الإهداء حكيما من جهة، وكارثة من جهة ثانية. بحثنا عنه ذاك اليوم فلم نجده فأخذنا الربطات الثلاث إلى منزله. كان يفترض أن نقول لزوجته هذه هدية منا لأبي مشعل. ولكننا قلنا خذي يا ام مشعل هذه البيزة حقت أبو مشعل. بعد ثلاث ساعات قبل أذان المغرب كنا نجلس كالعادة عند دكان هاشم. اقبل أبو مشعل وعيناه تقدحان بالشرر واخذ يزبد ويرعد ويزمجر بحنجرة صقلتها ليالي الشخير الطويلة. وين ملاعين الصير أنا موصيكم تشترون لي بيزة؟ صدمنا. قبل أن ينبري من يرد عليه طالعنا في بعض وتذكرنا أن كثيرا من نساء الرياض المتزوجات على وشك اعلان الحرب على راعية البيض. كيف فاتنا ان ام مشعل لابد وان تكون عضوا في القيادة المركزية. خمنا وأصبنا ان هديتنا فجرت قضية خطيرة في بيته. فقال صديقي منصور بسرعة. هذه البيزة مهيب من عندنا الله يهديك يا أبو مشعل. لا تدخل في ذمتك. انت مصدق أن احدا يهدي احدا بيزة وخاصة لواحد مثلك من كبارية الرياض. فقال أبو مشعل من هو الملعون اللي وصاكم تعطونها مرتي. ساد صمت قبل ان يقول منصور: ممكن يا أبو مشعل تهدأ وتسمعني كويس. فقال أبو مشعل بمزيد من الغضب والتوتر. تجيبون لي مصيبة مع مرتي وتبوني اهدأ. انتو تدرون كم عندي من بيز في البيت. لو اجمعها وارصها جنب بعض كان سويت منها دوشق عرس. ومرتي صارت تدري وين اشتريها منه. عرفنا أن الأمر اخطر مما يمكن تصوره.. لكن منصور بحسه القيادي حيّد عقل أبو مشعل ونقل المعركة إلى قلبه النابض بحب الجميلات . قال له بعد أن اخذه بعيدا عن اسماع هاشم راعي الدكان كأنما يريد ان يفضي له بسر عظيم. يا أبو مشعل الذنب مهوب ذنبنا. خل أقول لك القصة: امي وصتني على بيض. رحنا أنا والعيال للمقيبرة . مع السواليف مع راعية البيض جاء طاريك. فقالت راعية البيض بعد ان اطلقت زفرة وتنهيدة : تعرفون أبو مشعل فقلنا بصوت واحد نعم نعرفه.. فقالت تكفون خذوا هاالربطات الثلاث من البيزة واعطوها له. تراه موصيني أسويها له مخصوص. فقال أبو مشعل بزعقة مكتومة: انا موصيها تسوى ثلاث ربطات؟ فقال منصور والله عاد هذا كلامها. ارتبك أبو مشعل ثم دنا اكثر من منصور بعد ان اخذ الخيال بمعاقد قلبه فسأل بهمس؟ ما سمعتوها قالت شيء ثاني أو لمحت لشيء. عرفنا ان أبو مشعل لم يصدق الكذبة بل استحوذت عليه. فقال منصور بهدوء: لا والله انا ما سمعتها كان ابن بخيت سمع شيئا.. لم أكن أعرف ما الذي يدور في رأس منصور فقلت لإخلاء نفسي من أي مسؤولية وخاصة انها كذبة كبيرة: لا والله انا ما سمعت شي. ردّي المحايد أعاد إلى منصور ملف القضية فبادر قائلا: اللي لاحظته أنها يوم ذكرنا اسمك تنهدت وحسيت ان العبرة خنقتها. فقال أبو مشعل وهو يرفع سبابته إلى السماء: في ذمتك؟ لم يستطع منصور ان يرد بحلف فحرف الموضوع إلى ما هو اهم وسأل: انت من متى عنها طال عمرك. فقال أبو مشعل لي حوالي شهر ما طبيت المقيبرة. فرد منصور بصوت المشفق: ما لك حق يا أبو مشعل تعلق المرأة وتنقطع عنها. فقال أبو مشعل بعد أن تحول إلى طفل وش تبيني أسوي. فقال منصور رح لها يا اخي. فقال أبو مشعل بصوت ملؤه الحقد وها الضبعة اللي عندي في البيت الظاهر انها حاسة الملعونة من كثرة البيزة والبيض اللي اجيبها للبيت. ثم قال: يا عيالي والله العظيم صرت اتجنب حتى روحة المقصب. فقال منصور المهم يا أبو مشعل شف لك طريقة. حنا بلغناك العلم ووصلنا الهدية وأبرينا ذمتنا. كيف تصرف أبو مشعل ليجد نفسه يُجلد في الصفاة؟ هذا ما ستعرفه بعد غد..