العروبة والإسلام والمسيحية الشرقية أركان ثلاثة في الكيان القومي الجامع للأمة، وما الانتقاص غير المدروس من أي واحد من هذه الأقانيم الثلاثة إلا ضربة قاصمة للكيان القومي الجامع للأمة في هذه البقعة ذات الخصوصية في أرض العروبة والإسلام. فلا الإسلام وحده ولا المسيحية الشرقية وحدها ولا وهما مجتمعان يكفيان للذود عن الكيان القومي للأمة، وهي التي كانت ولا تزال مستهدفة من الصهيونية والاستعمار الغربي. وما استهداف أي واحد من هؤلاء الثلاثة إلا استهداف للأمة التي كانت ولا تزال مستهدفة منذ أيام الحروب الصليبية التي لم تستهدف الإسلام وحده كما كانت تدعي في بداية الحروب الصليبية بل هي استهدفت أيضاً المسيحية الشرقية جنباً الى جنب مع العروبة والإسلام. إذا كان الشرق قد استطاع حتى يومنا هذا أن يبقى سليم الجوهر والكيان أمام كل الضغوط وأمام كل القوى والعداوات فالفضل في ذلك لمنعه الكيان القومي للأمة من التفكك، فهو لم يحفظ الكيان القومي للأمة الا بتحصين الإسلام والمسيحية الشرقية وحمايتهما، ولولا هاتان القلعتان لما أمكن قيام واستمرار هذا الشرق فالإسلام لم يكن المستهدف الوحيد بل المستهدف كان العروبة والإسلام والمسيحية الشرقية، وبينما كان استهداف المسيحية الشرقية هو الاول من بين كل الاستهدافات، ذلك أنه من دون ضرب العروبة لا يكون هناك انتصار حقيقي على الأمة العربية. والمسيحية الشرقية مكملة بالمعنى الكامل للأمة العربية، ولكان بقي إمكان التزوير بالادعاء أن الإسلام وحده هو مكوّن الامة العربية. وما الصليب الغربي إلا ذلك الذي يستهدف الصليب الشرقي والعربي خصوصاً قبل كل استهداف آخر. وما قول قائد الاحتلال الفرنسي خلال الحرب العالمية الاولى أمام قبر صلاح الدين الأيوبي في دمشق يا صلاح الدين ها نحن هنا. الآن تزوير الحقيقة بأن المستهدف هو الشرق المسلم بينما المستهدف كل الشرق المسيحي والمسلم على حد سواء، فهذا الثوب كان دائماً ضرورياً للحفاظ على الذات القومية والانسانية معاً. إن نهضة الشرق كشرق هي ما كان يحاربه ويخشى منه الغرب.. وما تزوير الحقيقة بالزعم ان التصدي هو للمسلم المعادي للتقدم الا تزوير بتزوير فالعداء هو للعربي وللمسلم كصاحبيْ رغبة في التقدم والتطور، ومواجهة الغرب المتلاحقة طرف ليس الغرب كصاحب مشروع حضاري، فالعرب ليسوا أعداء الحضارة وإنما هم أعداء الاستعمار المعادي لتقدم الشرق المسلم والمسيحي على حد سواء. فالخوف الاستعماري هو من تقدير الانسان الشرقي لا من تخلفه بل إنهم حريصون على تخلف الانسان الشرقي بل هم أعداء لكل محاولة شرقية للترقي، والعداء الشرقي ليس لتقدم الغرب بل هو للرغبة الاستعمارية في إبقاء الشرق على حاله من التخلف، ولصرفه عن أي محاولة جدية لتطوير أوضاعه وردم الهوة الحضارية بينه وبين الغرب خصوصاً بعد تحول الغرب الى منفتح للتخلف الشرقي، وحريص على دوامه. أما النزوع الاستعماري لأبناء الشرق كبدهية عند الغرب فهو ما يسعى أحرار الشرق الى الخلاص منه. إن الصين والهند وشعوب آسيا وأفريقيا والعرب لم يعودوا قابلين بأن يكونوا حراساً عند ظالميهم المتنعمين بخيرات بلدانهم. وهذا ما يخيف الغرب الاستعماري، مع العلم أن الغرب قد تطور تفكيره أيضا فلم يعد كل غربي ساعياً للاستعمار بل أصبح الغربيون دعاة الاستعمار قلة خائفة على نفسها أكثر مما هي مخيفة. وهذا لبعض الكبار الحقيقيين في تاريخ هذا العالم كغاندي وجمال عبدالناصر وسواهما الذين حشروا المستعمرين بل فضحوهم في عيون شعوبهم نفسها، وما يشرف التاريخ العربي أن زعماءه في الفترة الأخيرة من هذا التاريخ كانوا في مقدمة الصفوف المناهضة للاستعمار. أما سمعة العرب بين شعوب العالم الثالث فلم تعد كما كانت بل إن العرب اليوم هم في قيادة آسيا وأفريقيا. إن الزمن العربي بطل أن يكون زمناً رديئاً منذ أن تولت مصر وكذلك العراق قيادة حركات التحرر في العالم. إن العرب في نظر قادة العالم الحقيقيين ومعهم المهاتما غاندي لم يعودوا كما كانوا في فترة زمنية تجّارَ عبيد، بل هم دعاة تحرر وتقدم. لقد ظل الشرق دائما وأبدا هو سر المناعة الأساسي في الدفاع عن الذات العربية، بل ومكوناتها الاساسية منابع المناعة التي من دونها لا ذات قومية قادرة على تأمين السلامة الدائمة للمجتمع والأمة. وإذا كان الشرق قد استطاع حتى يومنا هذا أن يبقى سليم الجوهر والكيان أمام كل الضغوط وأمام كل القوى والعداوات فالفضل في ذلك لمنعه الكيان القومي للأمة من التفكك، فهو لم يحفظ الكيان القومي للأمة الا بتحصين الإسلام والمسيحية الشرقية وحمايتهما، ولولا هاتان القلعتان لما أمكن قيام واستمرار هذا الشرق المستهدف منذ ايام الحروب الصليبية وصولاً الى السيادة الصليبية التي كانت تستهدف الإسلام والمسيحية. إن وجود المسيحيين الشرقيين في هذه البقعة من العالم الى جانب المسلمين كان أهم ما قدمته الى المنطقة للاسلام والمسيحية معا بل اهم ما قدمته الأديان السماوية للعالم ككل وللإنسانية ايضاً. ولعل ذلك هو أهم ما كانت تحتاج اليه الانسانية بالمطلق فمسيحيو الشرق هم من أسسوا اللبنة الأكثر ضرورة لتطورالانسانية المعاصرة فلولا هذه الظاهرة التي أسسها الشرق لبقي العالم معرضاً لكل الكوارث، فالإسلام والمسيحية الشرقية هما اللذان صانا البشرية من التردي غير القابل للمعالجة، فالشرق ولا سيما الشرق العربي هو صاحب الفضل الأول على التطور السلمي للأديان وللشعوب. وهذه هي رسالة الشرق الى العالم، فالشرق رسالة تعايش. فهل ينفي الغرب هذه الحقيقة أم هو لا يزال في عالم الاستعمار والاستهتار بالشرق وأديانه؟ هذا مع العلم ان رسالة السيد المسيح هي رسالة شرقية بل عربية من أعلى طراز. إن المسيحية والإسلام كلاهما مرشح لهداية العالم الغربي إلى الاتجاه الصحيح أي اتجاه احترام الأديان السماوية وحقوق الشعوب ومنها الشعب العربي الذي إليه ينسب السيد المسيح خلافاً لما تدعيه اليهودية المتصهينة. إنها ولادة جديدة للشرق والعالم كله. إن هناك اوساطاً غربية ترتقي بكل ما هو عربي ومع ذلك نجد أن هناك من يحرص على استمرار حال العداء وتجاهل الحقوق..