حين تفاجئنا الأقدار بالفواجع نقف في وجهها مذهولين.. محزونين.. نواسي بعضنا بالدموع والأحضان ونحاول أن نستوعب ما حصل ونسأل.. لماذا؟ وكيف؟.. ثم نسترجع ونستغفر ونرضى بقضاء الله سبحانه وتعالى ليقيننا بأن الله أعدل وأرحم وأعلم.. ولكن تبقى حرقة الفراق المؤلمة على أحبتنا الذين فارقونا على غفلة منا ولم نودعهم ونشتم رائحتهم لآخر مرة. هذا حالنا نحن.. فكيف حال والدين لشاب يافع في مقتبل العمر.. بار بهما رضيّ.. لم يشتكيا منه أبداً وتأملا منه الكثير.. شاب منذ حداثة سنه يشهد له الجميع بالمحافظة على الصلاة بوقتها وفي أي ظرف حتى أثناء تدريباته بالفروسية لا يؤخرها أبداً.. حسن الخلق مع الجميع بدون استثناء، شاب يستعد لاستقبال الحياة بنجاح تلو نجاح برضا وهدوء قلما تراه فيمن هم بعمره.. آمن بهدف وأصر عليه وبرز فيه وسعى لاكمال مشواره بالفروسية.. تلك الرياضة النبيلة التي عشقها وكد وتعب لكي يتفوق بمجهوده وحده بعد الله.. ولا أنسى ولن أنسى فرحتنا به السنة الماضية حين نال المركز الثالث وفرحته هو باحتفالنا به وقد وعدنا وقتها بأنه سينال المركز الأول المرة القادمة.. ولكن حقيقة بقدر ما أذهلنا موته المفاجئ.. أذهلنا حضوره القوي في قلوب الناس من عرفه منهم ومن لم يعرفه، أذهلنا عدد المعزّين من الرجال والنساء والشباب، أذهلنا ذكره الطيب في لسان كل مَنْ حضر، أذهلتنا مواقفه الراقية التي لم نكن نعلم عنها الكثير وقد شُبّه عزاؤه بعزاء رجل كبير أو شيخ.. وليس شاباً بالتاسعة من عمره لكثرة محبيه ومعارفه، وقد حضر بعضهم من خارج المملكة للعزاء مشكورين على سعيهم.. أذهلنا حب أصحابه له بذلك العمق والصدق، وهم للحق صحبة طيبة تستحق منا الاحترام والتقدير على وفائهم له فهم أول من سارع بإقامة أعمال خير باسم عبدالله.. فقيدنا الغالي. ولكن لا يبقى لنا سوى التسليم بما كتبه الله لنا على أمل لقاء دائم في جنات النعيم بإذن الله.. وليس بيدنا سوى الدعاء لله العلي القدير بقلب صادق ومؤمن أن يثبت تلك الأم المكلومة التي أصيبت بفقد وحيدها عبدالله.. تلك التي ربت من سيبني لها بيتاً بالجنة بإذن الله لصبرها واحتسابها.. ونسأله جلّت قدرته أن يثبت والده.. أخي الحبيب أحمد وأن يجعله شفيعاً لهما في الآخرة. ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبت ويصبّر إخوانه وأخواته على فراقه فقد كان لهم نعم الأخ والصديق. وأعزي نفسي وعائلته الكبيرة التي لن تنساه أبداً فقد حفر في قلوبنا حب عبدالله. وأعزي صحبته المخلصين، وأعزي كل من عرف ذلك الشاب النقي الحبيب من القلب.. ذلك الشاب الذي كان بقامة الرجال.