الصريح وحده هو من يدفعك للأمام، وفي المقابل المجامل هو من يقودك للخلف أو على الأقل أن تبقى متوقفاً مكانك، وهذا يلاحظه الإنسان على صعيد فرق العمل أو الأصدقاء أو النقاد الاجتماعيين أو التربويين أو السياسيين، لهذا قالت العرب "صديقك من صدقك وليس من صدّقك"، نعم في كثير من الأحيان يكون الصريح مندفعاً أو عجولًا في إبداء وجهة نظره أو فكرته أو تعليقه، ويؤلم المنقود سماع النقد بهذه القوة والوضوح والجرأة، والعقلاء وحدهم لا يكتفون بسماع النقد بصدر منشرح واتساع بال، بل يستفيدون منه ويوظفونه لصالحهم. كنت في جلسة نهاية عطلة الأسبوع نتبادل الأحاديث من مجال لآخر وننتقد الخدمات ونحلل الأحداث (فضفضة نهاية الأسبوع)، حتى قفز الحديث إلى الرياضة والرياضيين، وبالتحديد الكرة السعودية على صعيد المنتخبات الوطنية، وكان الأخ صريحاً لدرجة عالية، بخلافي فأنا أميل أحيانا للتفكير المتأني وأخذ الحذر في النقد وأحاول كبح اندفاعي العاطفي الأولي تجاه الموضوعات. وهنا جاء بالسؤال العريض: لماذا كانت المنتخبات السعودية تحقق أعلى الإنجازات ولم تكن تملك حينها سوى موارد مالية محدودة؟ ولماذا في المقابل اليوم نملك ميزانيات كبيرة ومع ذلك الإنجازات لم تتجاوز عشرة بالمائة مقارنة بالسابق؟ أين الخلل ومن المسئول؟ أهم اللاعبين أم الإداريين أم الإعلاميين؟ أم نظام الاحتراف أم المدربين أم الجماهير؟ في الحقيقة إن التشخيص الموضوعي والعلمي لأسباب ودواعي تراجع إنجازات المنتخبات السعودية، يتطلب دراسة متأنية وواقعية وشفافة، وكثير من المتابعين والجماهير يجمعون على أن بداية التراجع كانت مع انطلاقة قرار الاحتراف، الذي كان من المفترض أن يدفع اللاعب للعطاء المتميز، ولذا فالأسباب الخمسة باستثناء الجماهير، أراها أسباب تراجع وانتكاسة المنتخبات السعودية. فاللاعبون ضعف ولاؤهم بسبب التشبع المالي والجاهي الذين يحظون به في أنديتهم وعقود لم يحلم وزير بها يوماً، وبعض الإداريين يفتقدون لأدوات القيادة الحازمة الممسكة العصا من الوسط وقراءة فكر اللاعبين وفن التوجيه، والإعلاميون بعضهم منحازون لأنديتهم ومن ثم للاعبيهم، ونظام الاحتراف ضعيف إذا لم يكن وهمياً على أرض الواقع والتطبيق، والمدربون الأجانب يفتقدون للغة التخاطب الاجتماعية والنفسية والوطنية التي يتواصلون خلالها مع اللاعبين لتحفيزهم فهو بحاجة لوسيط وبالتالي اللاعب سينخفض تعاونه وتفانيه. ولعل هيكلة الاتحاد السعودي لكرة القدم وفتح باب الترشيح لرئاسته عبر الانتخابات يعد أول خطوة نحو التغيير الجذري المنتظر، وأود التأكيد على أن المقال ليس فيه ما يدعو للمقارنة المبطنة الخفية السلبية، وإنما يدفع للمقارنة الإيجابية العلنية التي تدفع للاستنتاج ومن ثم اتخاذ القرار السديد، ويقودها مفتاح التفكير الاستنتاجي لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟. المنتخب السعودي حقق كأس آسيا في عهد الإمكانات القليلة