ما أن انتهيتُ من تناول قضية الطفلة رهام حكمي، ضحية الخلل في المنظومة الصحية لدينا والتي لحسن الحظ أسفرت عن عدد من الإعفاءات والإقالات في وزارة الصحة، وبانتظار الأمر بالتكفل بعلاجها مدى الحياة، حتى توالت أخبار مؤلمة أخرى. ستة أطفال يقضون في حافلة مدرسية في طريق الجبيل غير الجرحى ممن في العناية المركزة، واثنا عشر طفلاً ينقلون إلى مستشفيات الرياض بعد سقوطهم من ألعاب الملاهي خلال رحلة مدرسية، ما أسفر عن دخول أربعة أطفال العناية المركزة وإصابات بليغة في فقرات الظهر. سوف يقول البعض إن إصابات الخطأ مسألة طبيعية وتحدث في كل أنحاء العالم وإن هناك نسبة معروفة مقطوعة مثل 1% أو 2% تقدر سنوياً وتخصم لصالح هذه الأخطاء القدرية، فهل هذا ما سوف نقبل به ونعتبر كل الأخطاء والتجاوزات والتهور والتسيب والإهمال ضمن النسبة المقبولة في سير عملية النمو والحياة في مجتمعنا؟ يبدو لي أننا نبالغ بعض الشيء أو الشيء الكثير إن سمحنا بهذه الأعذار أن تبرر القصور وتبرر الفساد الإداري أو سوء الإدارة، ولا أقول سوء النية فهذه لا يعلم بها إلا الله، لكنه استسهال للربح واستكثار في الإنفاق على احتياطات الأمن والسلامة وضعف المراقبة وغياب المحاسبة والعقاب الرادع، وهو التشخيص المعتاد أمام كل حادثة من حوادثنا غير المقبولة. وقد كنتُ أشرت إلى مجمل ملفات وقضايا فتحتها قضية رهام وتسيب الدماء الملوثة في حاويات مستشفيات جازان، فما هي الملفات التي يفتحها حادثا الجبيل والملاهي؟ بل من أين أبدأ؟ لعلي أبدأ بتعزية أهالي الأطفال الستة وأواسي مصابهم الجلل وأدعو لهم بالجبر والرحمة لأبنائهم. ومهما قلت وواسيت فليس كافياً ليجبر النفس المكلومة. لم يكن يعلم أو يدرك أي من هذه الأسر أنهم عندما كانوا يسلمون أبناءهم إلى سائق هذه الحافلة المعتمد من المدرسة فهم في الواقع يسلمونهم إلى حتفهم. أليس هذا هو شأننا جميعاً من يعتقدون بسلامة هذه الحافلات ودقة المدارس في اختيار سائقيها ذوي الخبرة في قيادة حافلات المدارس، والالتزام في قيادة حافلات تنقل أطفالاً، وتدقيق الدفاع المدني في إجازة احتياطات الأمن والسلامة في الحافلة من مخارج آمنة وأحزمة أمان وطفايات حريق، وقوانين مرور صارمة تضبط متجاوزي السرعة والسائقين ممن هم دون السن القانونية، أو من كشف دوري على كوابح الناقلات والمركبات وسرعة لا تسمح بتجاوزها، وقوانين مرور لا تتنازل في تطبيقها لاسيما إن كان الطرف المنقول هم أطفالاً موكولين بسلامتهم إلينا، نحن الكبار الذين نفشل مراراً وتكراراً، وطرق آمنة ممهدة على أعلى المستويات التي تليق بدولة البترول التي لم تستكثر في إنشاء الطرق وصيانتها، ولم يدركوا أن طريق الجبيل الصناعية مرت على صيانته أعوام وأعوام، ومقاولون أشكال وألوان وكلهم استلم وصرف واستمتع وترك الحال كما هي باللوحات وإشارات التحويل والطريق الذي يتعرج من أول شاحنة تمر عليه، ومهندسون يشيكون ويبصمون على مطابقتهم للمواصفات ولا عزاء لحافلات أطفال المدارس أو أي حافلات تحمل الأرواح بالجملة. من الذي يدقق في كل ما سبق وقد دخلت أطراف عدة سوف تعمل على الدفاع عن نفسها حتى ننتهي إلى أن الطريق آمن، والقوانين سليمة والسائق المتسبب في الحادث سوف يدفع التأمين دية ما جنت يداه، ولنتقاذف المسؤولية كما فعل دفاع بلدية حائل الذي ألقاها على وزارة النقل في حادثة حافلة طالبات جامعة حائل التي قضت فيها اثنتا عشرة طالبة في نوفمبر 2011 ومن غير الواضح من الذي تحمل مسؤولية الخطأ. وللحديث بقية..