يبدو أن الحلول التي يجربها السعوديون في حلحلة مسألة البطالة في البلاد لا تؤتي ثمارها بالنظر لمعوقات كثيرة ينتمي جلها إلى ثقافات رسخت خلال عقود من الزمان، توحي بأن السعودي هو للقطاع الحكومي، والمقيم للقطاع الخاص، لكن الأنظمة التي استحدثتها الحكومة منذ أكثر من عقد من الزمان في سبيل السعي الحثيث للتوطين، أفرزت تجارب جديدة تصب في مجملها باتجاه صناعة توظيف حقيقية تعتمد على حس قطاع الأعمال وتوجهاته. وتعد تجربة مكاتب التوظيف الأهلية إحدى تلك التجارب التي لا زالت لم تؤت ثمارها على الرغم من انطلاقتها منذ أكثر من عقد من الزمان. وبالرغم من أهمية رسالة تلك المكاتب التي تعمل على الوساطة بين طالبي العمل، وطالبي العامل بغية توفير احتياجات الشركات والمؤسسات من الموظفين السعوديين، إلا أن التجربة حسب مختصين لا زالت تحبي حبواً في ظل عدم فهم الرسالة الحقيقية لتلك المكاتب من قبل القائمين على إدارات الموارد البشرية في القطاع الخاص. وفي الوقت الذي يظن مختصون أن تلك المكاتب كان بإمكانها المساهمة بشكل فاعل في دفع عملية التوطين، يرى قائمون على تلك المكاتب أن مهمتها بالفعل باتت صعبة وتنذر بإغلاق معظم تلك المكاتب. عبدالله الزهيري مدير عام شركة التوطين للتدريب والتوظيف أشار إلى أن صناعة الوساطة في التوظيف لا تزال تجارب ولم تصل بعد إلى صناعة ناضجة ومؤثرة في سوق التوظيف في البلاد. وقال إن سوق التوظيف في المملكة برمته ليس ناضجاً، وليس مؤمناً بالدور الذي يمكن أن تلعبه مكاتب التوظيف الوطنية في المساهمة في توفير الكوادر البشرية التي تحتاجها شركات القطاع الخاص. وأكد أن الغالبية العظمى من الشركات والمؤسسات في القطاع الخاص تستكثر الرسوم التي يمكن أن تدفعها مقابل الحصول على موظفين متميز ومؤهلين، وقال: إن غالبية الشركات تحد من أداء مكاتب التوظيف من خلال تحفظها المستمر على الرسوم، وكذلك امتناعها عن الدفع المقدم، وكذا عدم موافقتها على التعامل الحصري مع مكتب بعينه، مما يشتت جهود كثير من المكاتب في سبيل تقديم خدماتها لشركة واحدة. وقال إن وزارة العمل وصندوق الموارد البشرية يمكنهما أن يلعبا دوراً مسانداً لمهام مكاتب التوظيف الأهلية في أداء رسالتها المتمثلة في توظيف أبناء الوطن، وطالب بأن تؤمن الجهات الحكومية المهتمة بالتوطين بشراكة مكاتب التوظيف في البحث عن خلق فرص وظيفية للسعوديين، وأن التخصص الذي تتمتع به تلك المكاتب يمكن أن يحدث تغييراً في حالة وجد الدعم المطلوب. وقال إنه في الوضع الحالي فإن كثيراً من مكاتب التوظيف سوف تتوقف عن العمل، وستختفي من السوق في ظل ثقافة القائمين على الموارد البشرية في القطاع الخاص والمتمثلة في عدم الإيمان بدور تلك المكاتب، وعدم فهم رسالتها، وأنها في كثير من دول العالم تعتبر مصدر الحصول على موظفين مؤهلين ومدربين حسب الاحتياج الفعلي للوظائف في القطاع الخاص. وبين أنه في ظل هذه الرؤية، فإن مساهمة مكاتب التوظيف الأهلية في مسألة توظيف السعوديين تظل متدنية بشكل كبير، مشيراً إلى أهمية دعمها كصناعة مهنية متخصصة يمكنها أن تحدث تغييراً حقيقياً متى ما كان الإيمان بدورها حقيقياً، مشيراً إلى أن صندوق التنمية البشرية دعا مكاتب التوظيف الأهلية مؤخراً إلى ورشة عمل، وبين مسؤولون في الصندوق إلى أنه سيدفع للمكاتب الأهلية مبلغ يتراوح ما بين 2000 إلى 2700ريال عن كل سعودي عاطل عن العمل ومسجل في حافز يتم توظيفه عن طريق أحد تلك المكاتب، مبيناً أن ذلك ربما يكون بادرة طيبة، لكنه أشار إلى ان هناك بيروقراطية تؤجل تسجيل مكاتب التوظيف لدى صندوق تنمية الموارد البشرية.