مما أقوله دائماً لكل الذين أستمع إلى حكاياتهم الجميلة عبارة واحدة: "دوّنوها". التدوين يخلد الحكاية ويعطيها صيغة أفضل، وكاتب هذه السطور وثق بعضاً من حكاياته، فحكايتي مع جسدي وثقتها في "ذكريات سمين سابق"، ومع دراستي في "سعوديون في أميركا"، ومع الحب والمرأة في "الدنيا امرأة"، وعن رحلات الصحافة لدي "جوهر في يد فحام"، عن رحلات اليمن وأفغانستان "كنتُ في أفغانستان" عن رحلتي إليها. التدوين ضرورة لئلا تموت الحكايات وتذبل كما تذبل الزهور. سعدت كثيراً بنجاح كتاب عبدالله الجمعة: "حكايات سعودي في أوروبا"، الذي رصد فيه رحلاته وقصصه في بريطانيا وألمانيا واليونان، وهو كتاب رائع وممتع ويستحق الاقتناء والقراءة بل والكتابة عنه. يفضل المؤلف أن يسافر لوحده ويقول: "هذا هو مذهبي في السفر ونحلتي في الترحال، فالمرء حين يسافر وحيداً فإنه يستظهر من قرارة نفسه ما يفوق استظهاره من معالم البلدان وملامح العمران إن هو فطن إلى ذلك، فتجده يغوص في أعماق ذاته مستكشفاً خباياها ومتجولاً في أرجائها، ممتحناً قوتها وضعفها متأملاً في حاله ومتفكراً في حاضره ومآله". يعتبر الجمعة أسفاره فرصة لاكتشاف نفسه والتجول في أحراشها والتعمق في خصائصها، ومميزاتها وعيوبها، والإنسان لا يستطيع بسهولة أن يفهم نفسه فضلاً عن أن يفهم غيره، ومن جميل قول أبي حيان التوحيدي: "لقد أشكل الإنسان على الإنسان". الحكايات الكبيرة بدأت صغيرة لكنها مثل كرة الثلج سرعان ما تهد وتزلزل، والذين سجلوا تجاربهم أثبتوا أن الحياة كبيرة وأن من الممكن أن تضم أكثر من تجربة ومغامرة. الجمعة بكتابه هذا كأنه يخاطب جموع المسافرين بل والمبتعثين الذين يعيشون يومياً عشرات القصص والحكايات والمواقف لكنهم لم يكتبوها. يخاطبهم بقصصه الظريفة في الكتاب أن اكتبوا قصتكم فهذه هي قصتي. السعوديون من أكثر المجتمعات البشرية سفراً وتجولاً في أرض الله، ومن الرائع أن يكتب الإنسان قصصه ولو في مدونته، لتفتح مدونةً ترصد فيها أسفارك والمواقف التي عاصرتها وعايشتها، ومن ثم لاحقاً قد تحولها إلى كتاب، لا تلهيكم المواقع التفاعلية وسرعتها عن كتابة ما يمسكم فعلياً وما يرتبط بوجدانكم وخلجات شخصياتكم. بآخر السطر، فإن التجارب غنية وعلينا أن نصطادها بأقلامنا، لا تضيعوا تجاربكم الغنية بالنسيان والإهمال بل سجلوها واكتبوها قبل أن تطير من ذاكرتكم بعد أن يتصرم زمن الشباب.