لم تعمد فكرة حكومة التكنوقراط التي اقترحها الرئيس اللبناني اميل لحود على رئيس الحكومة المكلف فؤاد السنيورة اكثر من 24 ساعة، بعدما رفضها معظم النواب والكتل النيابية الكبيرة، مما حدا بالرئيس المكلف الى اعادة احياء صيغة حكومية جديدة من 24 وزيراً، تكون مطعمة من خارج المجلس النيابي، معتبراً أنها تحظى بثقة نحو مائة نائب، لكن الصيغة الجديدة اخرجت ممثلين من كتلة العماد ميشال عون النيابية التي تسمى كتلة «الاصلاح والتغيير»، غيرانها لحظت تقارباً مع الفريق الشيعي باستبعاد عضو كتلة نواب «المستقبل» النائب غازي يوسف. وقد عرض الرئيس السنيورة هذه الصيغة بعد ظهر امس امام الرئيس اللبناني الذي رد انه سيدرسها وسيعطي الرئيس المكلف جوابه النهائي في أقرب فرصة. لكن الأوساط السياسية المطلعة لا تتوقع ان يوافق رئيس الجمهورية عليها نظراً لأنها لا تمثل حليفة العماد عون، وكذلك كتلة النائب ايلي سكاف ولا حزب الطاشناق الارمني، الأمر الذي يمكن ان يدخل البلاد في أزمة حكم مفتوحة، فإما ان يعتذر الرئيس السنيورة، ويعمد إلى استشارات نيابية اخرى ملزمة تسميته مجدداً، وتعود البلاد الى دوامة التكليف والتأليف، أو أن ينتظر فرصة اخرى، مما يعني بقاء حكومة تصريف الأعمال الحالية برئاسة نجيب ميقاتي، واستمرار حالة الشلل السياسي والأمني والاقتصادي السائد حالياً، في ظل ضغوط خارجية، باتت معلومة، سواء على الحدود اللبنانية - السورية، أو على الحدود الجنوبية، أو خلف كواليس الدول الكبرى. وكان الرئيس المكلف قد التقى بعيد الواحدة والنصف من بعد ظهر أمس الرئيس لحود في قصر بعبدا وناقش معه على مدى نصف ساعة موضوع تأليف الحكومة. في ضوء الصيغ التي كان قد حملها معه خلال ثلاثة اجتماعات سابقة، وعددها ثلاث رفضها الرئيس لحود جميعها، وبينها صيغتان لحكومتين من 24 وزيراً وثالثة من 30 وزيراً بحجة انها لا تراعي توازناً في التمثيل السياسي، أو أنها تحجب تمثيلاً لكتل اخرى، مصراً على صيغة تمثل الكتل النيابية المختلفة، وفي طليعتها كتلة العماد عون وحلفائه.وأكد الرئيس السنيورة بعد اللقاء انه قدم للرئيس لحود تشكيلة جديدة مطعمة من 24 وزيراً تحظى بدعم مائة نائب، لكنها لا تمثل كتلة عون، متمنياً عليه درسها.وأشار السنيورة الى ان الصيغة الجديدة هي اقرب الى حكومة اصلاحية يدعمها عدد كبير من النواب، لافتاً الى انه بذل كل ما في وسعه لارضاء العماد عون وغيره من الفرقاء، عبر ثلاث صيغ قدمها، وكان آخرها قبل يومين. وتلا الرئيس المكلف بياناً شبه مكتوب جاء فيه:«لقد حاولت خلال الأسبوعين الماضيين أن أشكل حكومة تتوافر فيها ثلاثة أمور، تمثل الأكثرية التي كلفتني، وتكون قادرة بخلفيتها التمثيلية وبتوعية وكفاءة أعضائها على العمل والإنجاز، في ظل الظروف القائمة، وأيضاً تضم في الوقت نفسه تشكيلة من القوى السياسية في البلاد، ولهذا الهدف اخذت كل الوقت اللازم للتشاور والنقاش وكل العقد المستعصية، حتى وقع الحادث الإرهابي ضد نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع في الحكومة المستقيلة إلياس المر، والذي هو نسيب رئيس الجمهورية». والواقع انه في ضوء ما حصل ما عاد هناك ما يمكن تجاهله. الفراغ السياسي هو أخطر ثغرة يمكن أن يتسلل منها المتآمرون والمغامرون في وجه الفراغ السياسي والتآمر على أمن الوطن والمواطنين فلقد تقدمت من الرئيس لحود على مدى الأيام القليلة الماضية، والتي كان آخرها أمس الأول، بثلاث صيغ لتشكيل حكومة تسد الفراغ وتهتم بمواجهة التحديات ومعالجة المشكلات، وقد اعتذر الرئيس عن قبول تلك الصيغ الثلاث. أمام هذا الطريق المسدود، جرى اقتراح فكرة جديدة تتمثل في حكومة غير برلمانية، تمثل القوى السياسية في الوقت ذاته، وكان من الطبيعي استجابة لرغبة الرئيس أن أعود للقيام بجولة مشاورات، وكان الجواب سلبياً من البعض، كما أن مقترحات البعض الآخر لا تنسجم مع فهمي لصيغة الحكومة الأكثر برلمانية، ولما تحتاجه المرحلة الراهنة من عناصر وزارية ومقدمات سياسية، ولقد سمعتم دون شك وقرأتم مجمل التحفظات والاقتراحات في وسائل الإعلام.لقد عدت اليوم (أمس) إلى الرئيس لحود بالتشكيلة المطعمة من مجلس النواب ومن خارجه والتي كنت قد تقدمت بها في السابق، والمؤلفة من 24 وزيراً، والتي هي أيضاً في رأيي تحظى بدعم أكثر من مائة نائب من أصل 128 نائباً، أي حوالي 78 في المائة من أعضاء مجلس النواب، فضلاً عن انتمائهم إلى أكثر الكتل النيابية، ولقد تمنيت على الرئيس أن يصار إلى دراسة هذه الصيغة، وأيضاً الصيغة التي ادخلنا فيها العماد ميشال عون، والتي هي ضمن الحدود التي كنا قد درسناها سوية في هذا الشأن، وقد بلغني الرئيس لحود أنه سيدرس الصيغة التي تقدمت بها وسيعطيني جوابه النهائى في أقرب فرصة. إنني أرى أن الصيغة التي تقدمت بها والمؤلفة من 24 وزيراً، هي الأفضل لحكومة إصلاحية تمثيلية تحظى بدعم هذا العدد الكبير من النواب. إني أرى الآن أن أمامنا من جهة فراغاً سياسياً وتوتيراً أمنياً، وأمامنا من جهة أخرى محاولات مستمرة من الداخل ومن الخارج كإثبات عجز اللبنانيين من أخذ زمام أمورهم بيدهم. لهذا، ولكوني كنت دائماً شفافاً وصريحاً مع المواطنين، واعتبر نفسي مسؤولاً أمامهم، لذلك فإني أقول إنني أحس بمخاوفهم وقلقهم، لكنني أطمح فعلاً بتجديد آمالهم. إنني اعتبر أن الأوضاع الأمنية والاقتصادية والسياسية تقف اليوم وبخاصة على ذوي المسؤوليات الدستورية، أمام تحدي إقامة حكومة قادرة على التصدي لمعالجة المسائل والقضايا الدائمة، واليوم قبل الغد، إني على أمل إن شاء الله أن يُصار إلى الاستجابة لرغبتي ورغبات المواطنين. إنني أشكر الرئيس لحود على الاستعداد الذي ابداه لدراسة الصيغة التي تقدمت بها، والتي كما ذكرت مؤلفة من 24 وزيراً، مؤلفة من عدد من النواب وعدد آخر من خارج مجلس النواب، والتي تمثل في نظري مجموعة متجانسة من فريق العمل القادر على مواجهة التحديات والتعامل معها، وبالتالي، حتى ننطلق جميعاً في هذه المسيرة الوطنية الكبرى.